تحل اليوم ذكرى وفاة شيخ مجاهد كان نموذجا في الصمود والصبر والذي فضحت قصته زيف الدعاوى الأمريكية حول الحريات وحقوق الإنسان إنه ” الشيخ عمر عبد الرحمن ” ..
فمن هو الشيخ عمر عبدالرحمن؟
هو الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية بمصر، والذي ظل منذ نحو ربع قرن من الزمان أسيراً في السجون الأمريكية، بعد الحكم عليه ظلما بالسجن مدى الحياة ولسنوات صارع الموت حتى صرعه في أحد السجون الأمريكية في نفس هذا اليوم في الثامن عشر من شهر فبراير .
و لزعيم الجماعة الإسلامية 9 ذكور وبنتين، أرسل اثنين منهما لقتال الأمريكان في أفغانستان، أحدهما قُتل في 2011 في غارة أمريكية ..
وعلى مدار ربع قرن من الحبس الانفرادي بالسجون الأمريكية، عانى الشيخ عمر خلالها بجانب كونه ضريراً من عدة أمراض من بينها: سرطان البنكرياس والسكري، والروماتيزم والصداع المزمن، وأمراض القلب والضغط وعدم القدرة على الحركة إلا على كرسي متحرك.
من الدقهلية إلى السعودية
ولد الشيخ عمر عبد الرحمن في مدينة الجمالية بالدقهلية عام 1938، وفقد بصره بعد عشرة أشهر من ولادته، أي أنّه قضّى حياته كلها إلا أقل من عام كفيفًا. درس في معاهد الأزهر وصولًا إلى الثانوية العامة عام 1960، ثم التحق بكلية أصول الدين، وتخرج فيها وعمل فيها مُعيدًا بعد أن حصل على درجة الماجستير، كما أنّه عُيّن إمامًا لأحد مساجد قرى الفيوم من قبل وزارة الأوقاف، ومع تعيينه مُعيدًا في كلية أصول الدين، استمر في عمله بالمسجد بشكل تطوعي.
وفي عام 1969 أُوقف عن العمل في جامعة الأزهر، وحُوّل لأعمال إدارية في إدارة الأزهر، وبدأت منذ ذلك سلسلة المضايقات المستمرة بحقه، حتى اعتقل لأوّل مرة في 13 أكتوبر (تشرين الأوّل) 1970 بعد وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
بعد أن أُفرج عنه عاد لاستكمال دراساته وصولًا لشهادة الدكتوراه في موضوع «موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة»، وحصل على «رسالة العالمية» بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، إلا أنّه مُنع من التعيين لمواقفه وآرائه السياسية وسبقة اعتقاله.
و في عام 1973 استدعي في الجامعة وأُخبر بوجود وظائف شاغرة في كلية أصول الدين بنات، فتقدم للعمل واختار مدينة أسيوط التي قضّى فيها أربع سنوات قبل أن يُعار إلى كلية البنات بالرياض من عام 1977 وحتى 1980.
مفتي الجهاد والأمير
أيّد الشيخ عمر عبد الرحمن «الجهاد» ودافع عنه، بل اشترك فيه حين سافر في ثمانينيات القرن الماضي إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان، والتقى هناك مجموعة من المجاهدين العرب والأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي وهو منظر الجهاد الأشهر منذ أن دعا إلى وجوب إسقاط نظام أنور السادات لعدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
من هنا ارتبط اسمه بحركة الجهاد العالمي التي ساهم في التأسيس لها نظريًا وفعليًا بالدعوة للسفر «جهادًا» في أفغانستان، حتى إنّه أرسل أبناءه إلى هناك، وبقوا إلى أن قُتل أحدهم في غارة جوية أمريكية عام 2011.
وفي أحد مقاطع الفيديو، تحدث أسامة بن لادن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة عن عمر عبد الرحمن، واصفًا إياه بأنه «أفضل علماء المسلمين»، ومُنددًا بسجن الولايات المتحدة له، ومعاملته معاملة «لا تتناسب مع ظروف مرضه».
وخلال سنوات عمله في أسيوط، كان قد بدأ ظهور الجماعة الإسلامية في نطاق العمل الطلابي داخل الجامعات، ومن أبرز الجامعات التي وجدت فيها الجماعة كانت جامعة أسيوط، ومن هنا بدأ ارتباطه بهم حين اختاروه أميرًا عليهم.
وبعد فترة قصيرة من توليه إمارة الجماعة انضمت إليها جماعة الجهاد بقيادة عاصم عبد الماجد الذي كان مُعتقلًا آنذاك، ثم وقعت أزمة داخل الجماعة على سؤال «ولاية الأسير أم الضرير؟»، فقد كان أفراد الجهاد يرون ألّا ولاية أو إمارة لضرير أو كفيف وهو عمر عبد الرحمن، مُطالبين بالإمارة لعاصم عبد الماجد الذي كان مُعتقلًا وقتها، ما دفع أفراد الجماعة الإسلامية إلى القول بألا ولاية أو إمارة لأسير أي مُعتقل، فانفصلت الجماعتان مرة أُخرى، ومع ذلك بقي عبد الرحمن بمثابة الأب الروحي، أو الأب الشرعي للجماعتين على حد سواء.
وبعد أن عاد عمر عبد الرحمن من السعودية عام 1980، لم يكد يمر عام حتى صدر أمرٌ باعتقاله مع من اعتقل عام 1981 أو ما عُرفت بـ«اعتقالات سبتمبر»، لكن عبد الرحمن استطاع الهرب وقتها، قبل أن يقع تحت أيدي قوات الأمن في نهاية أُكتوبر (تشرين الأوّل) من نفس العام بتهمة اغتيال السادات، هو وآخرون من قيادات الجماعة الإسلامية، لكنه حصل على حكم بالبراءة وأُفرج عنه عام 1984، بعد مرافعته الشهيرة «كلمة حق»، والتي طُبعت في كتاب بعد ذلك.
في عام 2011 بعد ثورة 25 يناير، تكشفت بعض الأمور على لسان أسامة حافظ أحد مُؤسسي الجماعة ، والذي قال إن منفذي عملية اغتيال السادات استندوا في تنفيذها على فتوى غير مُباشرة من عمر عبد الرحمن، بعد سؤال أحدهم له في وقت سابق في حكم قتل الحاكم الذي لم يُطبق شرع الله المنزّل، وكانت إجابة عبد الرحمن أن ذلك يحلّ .
تفجير مركز التجارة في نيويورك عام 1993
سافر عمر عبد الرحمن إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تعرض في مصر للكثير من المضايقات من قبل السلطات الأمنية، فتقدم بطلب للحكومة المصرية بالسماح له بأداء مناسك العمرة، وبالفعل اتجه إلى السعودية التي توجه منها إلى السودان ثم إلى الولايات المتحدة، وهناك عمل إمامًا لأحد مساجد ولاية نيوجيرسي.
في عام 1995 وُجهت لعمر عبد الرحمن وخمسة آخرين تهمة التورط في تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، بالإضافة إلى التخطيط ليوم تفجيرات كُبرى في مناطق جورج واشنطن ونفق هولاند ونفق لينكولين ومبنى الأمم المتحدة ومبنى هيئة التحقيقات الفيدرالية.
قبل القبض عليه وتوجيه تلك التهم إليه، كان قد اشتهر عنه مهاجمته المُستمرة للولايات المتحدة ولمصر أيضًا لتعاونهما مع إسرائيل. وقد ورد في حيثيات الحكم عليه أنّه من أثار «الجهاديين» لتخطيط الهجمات التي كان يُفترض وقوعها في مدينة نيويورك، ورغم أنّها لم تقع أصلًا إلا أنّه حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في سجن فيدرالي بالقرب من ولاية نيويورك.
كان الشيخ عمر عبد الرحمن أيضًا قد اتهم في الولايات المتحدة بتحريضه على العنف ضد السلطات المصرية ومطالبته باغتيال الرئيس المخلوع محمد حُسني مُبارك، وهو الأمر الذي نفاه عبد الرحمن في لقائه بإحدى القنوات الأمريكية المتلفزة.
مداهمة الموت
بعد ثورة يناير كان هناك مساحة كبيرة لأنصار الجماعة الإسلامية ومؤيدي الشيخ عمر عبد الرحمن للمطالبة بالإفراج عنه بالنظر إلى ظروفه الصحية، ونُظّمت الكثير من الوقفات والتظاهرات المطالبة بذلك، والتي من بينها اعتصام نظمته الجماعة الإسلامية أمام سفارة الولايات المتحدة للمطالبة بالإفراج عنه.
وبعد وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم عام 2012، وفي أول خطاب لرئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي له بميدان التحرير،أعلن أنه سيسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل الإفراج عن عبد الرحمن والعفو عنه نظراً لتدهور وضعه الصحي.
ولكن حصل الانقلاب العسكري فلم يتم الأمر ومع تدهور حالته الصحية وافته المنية بزنزانته عن عمر يناهز 78 عاماً، لتفيض روحه تشكي إلى الله ظلم دولة الطاغوت أمريكا .
Be the first to write a comment.