By / 19 مايو، 2022

الحرب الديموغرافية مع الاحتلال.. هل تحسم الصراع لصالح الفلسطينيين؟

في اليوم نفسه الذي كانت تحتفل فيه إسرائيل بـ”عيد استقلالها الـ74″، ذكرى سرقتها أرض فلسطين، في 4 مايو/أيار 2022، كانت الإحصائيات الرسمية تؤكد أن “القنبلة الديموغرافية” التي كانت تخشاها دولة الاحتلال منذ قيامها “قد انفجرت بالفعل”.

وأظهرت التقارير الرسمية أن عدد الفلسطينيين والإسرائيليين، ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط (أرض فلسطين المحتلة 1958 “إسرائيل” والضفة وغزة) بات متساويا تقريبا، بل ويتفوق الفلسطينيون بأغلبية ضئيلة.

وبينت الإحصائيات أن عدد السكان في هذه المنطقة أكثر بقليل من 14 مليون نسمة، نصفهم أو أكثر قليلا من الفلسطينيين، ونصفهم من اليهود.

تقارير رسمية

هذه المعطيات أزعجت الاحتلال لأنها تقلب الموازين في فلسطين لأول مرة منذ النكبة واحتلال 1948، بحسب صحيفة “هآرتس” العبرية في 4 مايو 2022.

في نفس اليوم، كتب رئيس وزراء إسرائيل السابق، ووزير حربها ورئيس أركان جيشها، إيهود باراك، مقالة في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، متخوف من زوال إسرائيل وأنها “قد لا تتجاوز” وهي تحتفل بذكرى قيامها الـ 74، عقدها الثامن الحالي.

قبل هذه التقارير الرسمية الإسرائيلية، كانت التحليلات والتحذيرات الأمنية تتخوف من الوصول إلى هذه النقطة الخطيرة، التي تعني أن سكان كل فلسطين التاريخية “بات غالبيتهم من العرب لا اليهود”.

وظل القلق الصهيوني المستمر من “القنبلة الديموغرافية” الفلسطينية، يتفوق على خوفه من الحروب العسكرية مع الجيوش العربية، إذ إن تزايد المواليد الفلسطينيين مقابل الإسرائيليين، يجعل الفلسطينيين أكبر عددا ويسيطرون على مؤسسات دولة الاحتلال.

لذا جاء الإعلان صادما ومؤشرا على عد تنازلي للكيان المحتل أخطر عليه من صواريخ المقاومة في غزة والحروب المحتملة، فلو استمر هذا المعدل السكاني، في ظل زيادة المواليد الفلسطينيين مقارنة باليهود، وفي ضوء رفض الاحتلال فكرة الدولتين، سيصبح هناك أغلبية فلسطينية في الدولة الواحدة.

أهمية هذا البحث المهم لصحيفة “هآرتس” الذي يتعلق بدراستين سريتين تبينان أن عدد الفلسطينيين بين البحر والنهر تجاوز عدد الإسرائيليين للمرة الأولى منذ نكبة 1948، هو أنها دراسات “رسمية” إسرائيلية.

قبل ذلك كانت الدراسات عن هذه القنبلة الديموغرافية والتفوق الفلسطيني تصدر عن مراكز أبحاث عبرية يسارية أو فلسطين، وكانت حكومات إسرائيل تشكك في أرقامها، لكنهم الآن أمام أرقام رسمية من صنع أيديهم.

بحسب “هآرتس”، هذه الأرقام الرسمية صدرت عن “هيئتين أمنيتين إسرائيليتين” أعدتا في العامين الماضيين تقريرين حول الديموغرافيا الإسرائيلية الفلسطينية.

وسجلت “نقطة التحول” هذه (تفوق الفلسطينيين) خلال عام 2020، بحسب الدراستين، وباتت أمرا واقعا العام الحالي 2022.

وقال المحلل الإسرائيلي، عاموس هارئيل، في هآرتس، إن “الدراستين استندتا إلى جمع وتحليل معطيات من مؤسسات إحصائية رسمية مختلفة، وتوصلوا إلى نتائج مشابهة، مفادها أنه في توقيت ما خلال العام 2020 حدثت نقطة التحول”.

وأكد أن “الدراستين أشارتا إلى أن الأغلبية الديموغرافية الفلسطينية ستؤدي في نهاية الأمر إلى ضغوط لا تحتمل على إسرائيل، ستضطر إلى التنازل وربما القبول بحل الدولتين”، بحسب الصحيفة.

نقطة تحول

“هذه نقطة تحول هامة”، بحسب “هآرتس” لأنه مع مرور الوقت ستستمر هذه الاتجاهات في المستقبل، ويزداد الفرق قليلا (لصالح الفلسطينيين)، بسبب الفروق في الولادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

أيضا “ستؤدي الأغلبية الديمغرافية في نهاية الأمر إلى ضغوط لا تحتمل على إسرائيل، التي ستضطر إلى التنازل والاتحاد مع الأغلبية العربية، وفي هذه الظروف، ستواجه إسرائيل صعوبة أكبر في الحفاظ على احتلال أبدي لمناطق واسعة في الضفة”، بحسب الصحيفة العبرية.

وأشارت إلى أن “ما يقلق القادة الإسرائيليين هو أن الفلسطينيين باتوا يتحدثون عن أن القضية الفلسطينية ستحل بموجب هذه القنبلة الديمغرافية وحدها لو استمرت فكرة الدولة الواحدة”.

وبينت الاستطلاعات، خاصة بين الجيل الشاب، تزايد عدد الفلسطينيين الذين يتخلون عن تأييد فكرة حل الدولتين لصالح “فرضية” أن “الأمور ستحل من تلقاء نفسها في نهاية الأمر، لصالح الفلسطينيين، إذ إن هذه الأغلبية (العربية) سيأتي يوم ويصبح لها كلها حق التصويت، لا فلسطينيو 48 فقط، ما يعني إدارة فلسطينية لا إسرائيلية في المستقبل”.

وحتى إذا ما حاول الاحتلال الفصل بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود خاصة في الضفة “فلن يمكنه ذلك”، فبحسب الصحيفة أجرى رئيسان سابقان لـ”الإدارة المدنية” التابعة للجيش الإسرائيلي جولة شاملة في الضفة الغربية.

وكان استنتاجهما أن “البناء المنهجي للمستوطنين في السنوات الأخيرة، في البؤر الاستيطانية العشوائية، المزارع (الاستيطانية) وتوسيع مستوطنات قائمة، أنشأت واقعا جديدا، يجعل فكرة الانفصال تكاد تكون غير قابلة للتطبيق”، بحسب “هآرتس”.

حلول مزيفة

رغم كل المعارك وحروب التحرير التي تخوضها المقاومة ضد “السرطان الصهيوني” الذي انتشر منذ عام 1948 كـ”الورم” في فلسطين التاريخية المحتلة، فقد كشفت “قوانين الطبيعة الإلهية” عن سلاح أو قنبلة قادرة على محو هذه الدولة المصطنعة.

هذه القنبلة هي ما سمي “القنبلة الديموغرافية”، التي تعني ببساطة تناقصا طبيعيا لعدد سكان إسرائيل بفعل نقص المواليد اليهود وتقلص الهجرة لإسرائيل، وبالمقابل تزايد عدد الفلسطينيين بصورة شبه منتظمة.

عشية الذكرى الـ74 للنكبة واحتلال فلسطين، أكد المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي، أن سكان “دولة إسرائيل” بلغ في مايو 2022، حوالي 9 ملايين و506 آلاف نسمة، منهم 7 ملايين و21 من اليهود (حوالي 73.9 بالمئة).

مقابل هؤلاء هناك حوالي 2 مليون و7 آلاف فلسطيني يعيشون في إسرائيل (أراضي 1948) ويحملون جنسيتها، بنسبة 21.1 بالمائة من السكان، ممن فشل الاحتلال في طردهم من قراهم وبلداتهم في الداخل المحتل عام 1948.

ويتوقع الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن يبلغ عدد سكان إسرائيل عام 2030، حوالي 11.1 مليون، وفي عام 2040 حوالي 13.2 مليون شخص.

كما يتوقع أن يبلغ سكان إسرائيل حوالي 15.2 مليونا في الذكرى المئة للنكبة واحتلال فلسطين عام 2048، حال استمر الاحتلال إلى ذلك الحين.

ولمواجهة هذه القنبلة الديموغرافية، سعى الإسرائيليون لحلول مؤقتة لتلافي الخطر الوجودي على دولتهم، أبرزها زيادة عدد اليهود بالهجرة، ومحاولة حل مشكلة غزة وتجنيد قادة دول عربية للتعاون مع إسرائيل ضد هذه المخاطر ولجمها.

ووصل الخوف من فقدان الأغلبية اليهودية، لفتح الباب أمام الآلاف من لاجئي أوكرانيا رغم وجود مشاكل في يهوديتهم، بحسب صحيفة هآرتس 11 مارس/آذار 2022.

وحاول “مجلس المستوطنات” تزييف الحقائق ونفي هذه القنبلة الديموغرافية الفلسطينية، لكن الجنرال في الاحتياط، شاؤول أرئيلي، أكد في كتابه “يتشبثون بالأرض أم يضللون .. تأثير المستوطنات على احتمالية حل الدولتين” أنهم كاذبون.

الكاتب المؤيد لحل الدولتين، أوضح في كتابه المنشور في 24 أبريل/نيسان 2021 أن المستوطنين في الضفة الغربية يحاولون إقناع العالم أنهم “نجحوا بضم المنطقة دون المس بالحلم الصهيوني حول دولة ديمقراطية مع أكثرية يهودية”.

ونبه أن تقرير مجلس المستوطنات “يكشف عن الجانب الإيجابي ويخفي الجوانب السلبية”، ووصف حديثهم عن النصر الاستيطاني بأنه “مهزلة”.

وأوضح أرئيلي أن “هناك هجرة داخلية سلبية من مستوطنات الضفة ما يقلص الزيادة السنوية المعلنة لليهود هناك، ويجعلها لن تنجح في تغيير الميزان الديموغرافي، لأن للفلسطينيين في الضفة الغربية أغلبية ثابتة تبلغ 86 بالمئة من إجمالي السكان”.

تحديات أخرى

ما كشفته “هآرتس” عن خطر القنبلة الديموغرافية الفلسطينية على وجود “دولة إسرائيل”، واكبه تأكيد “معهد السياسات والإستراتيجيات” (IPS) في أبريل/نيسان 2022 أن إسرائيل تواجه “سلسلة من التحديات والتهديدات الإستراتيجية الأخرى”.

بخلاف القنبلة الديموغرافية، تحدث فريق عمل المعهد بقيادة اللواء احتياط، عاموس جلعاد، عن مخاطر إيران (المشروع النووي والتوسع الإقليمي)، والقضية الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وأزمة عالمية بأبعاد تاريخية في الشرق الأوسط.

وتزامن ذلك مع محاولات إسرائيلية لتعزيز التعاون مع أنظمة التطبيع العربية لضمان صمتها على أعمال التهويد التي تسعى للسيطرة على آثار هذه القنبلة الديموغرافية.

ضمن هذا، جاء تأكيد موقع “أكسيوس” الأميركي في 3 مايو 2022 أن “الإسرائيليين طرحوا فكرة عقد قمة مشتركة بين رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، ورؤساء إسرائيل ومصر ودول عربية خلال زيارته المقبلة للمنطقة في يونيو/حزيران 2022 لتلافي المخاطر على دولتهم”.

وكانت دراسة “جلعاد” السابقة، شددت على أن “المصلحة الأمنية لإسرائيل هي أن تظل دول الخليج ومصر والأردن تحت الدعم الأميركي، بالنظر إلى التداعيات الإستراتيجية والخطيرة طويلة المدى على أمن إسرائيل”.

هذا القلق الإسرائيلي من القنبلة الديمغرافية الفلسطينية، دفع رئيس وزراء إسرائيل السابق، إيهود باراك، للتحذير ضمنا ألا يمتد العمر بالدولة الإسرائيلية، وفق نظرية “العقد الثامن”.

وقال باراك، في مقاله السابق، إنه “خلال التاريخ اليهـودي فإنه لم تعمر لليهـود دولة لأكثر من 80 سنة إلا في فترتين، فترة الملك داوود وفترة الحشمونائيم”.

وفي كلا الفترتين كانت بداية تفكك كليهما في العقد الثامن، وأن تجربة الدولة العبرية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن وأنه يخشى أن تنزل بها “لعنة العقد الثامن” كما نزلت بسابقتيها.

تخوف باراك، من انهيار إسرائيل في العقد الثامن تحدث عنه أيضا رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، عام 2017، وقد قال حينها إنه “حريص أن تبلغ إسرائيل المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمر لليهود دولة لأكثر من ثمانين سنة في كل تاريخها إلا مرة واحدة هي دولة الحشمونائيم”.

وهذا الرأي يخالفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، الذي يزعم أن الدولتين القديمتين (مملكة داود والحشمونيين) لم تفرضا سيادتهما على كامل فلسطين، وعاشتا حوالي 220 سنة، بينما يرى باراك ونتنياهو ومؤرخون آخرون، أن كلا منهما لم تعمر سوى 79 عاما فقط.

تقرير أعد بموقع الاستقلال.


Be the first to write a comment.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *