(أبوك في سبيل الله)..
تلك الكلمة التي تعلق في ذهن الطفل وتكبر معه كلما كبر..
تلك الكلمة التي يدرك بها الطفل المسلم ما يحاك للإسلام من مؤامرات، وما يلاقيه المسلمون من بلاء لأجل دينهم..
تلك الكلمة التي يفسر بها الطفل ما يمر به من أحداث، ويستطيع من خلال معناها أن يتعامل مع الأمور بمنطق التضحية في سبيل الله المرجو أجرها في الآخرة.
تلك الكلمة التي تنغرس في عقل الطفل المسلم منذ صغره؛ لتجعل منه طفلاً أكثر وعيًا ونضجًا وإدراكًا وتفهُّمًا للأمور، أكثر من أقرانه ممن عاشوا طفولة طبيعية مرفهة خالية من المحن والبلاءات..
إن هذا الطفل الذي عاش بين جنبات السجون، وقضى طفولته بين الزيارات، يحمل بين ضلوعه رجلاً مختلفًا كل الاختلاف عن أقرانه..
_ طفل تربى بين أروقة السجون القاتمة الخالية من ألوان البهجة وزخارف البناء، هو في الحقيقة رجل زاهد في متع الدنيا، لا يهتم لها، ولا يلهث وراءها، ولا يضيع دينه الذي ضحى بطفولته من أجله..
_ طفل رأى على بوابات السجون أمًّا مكلومة على ابنها، وزوجة تحمل ما لا يتحمله الرجال من هموم وأمتعة، ورأى أطفالاً مثله يقفون أيام العيد في طوابير التفتيش، بدلاً من أن يقفوها في الحدائق والمتنزهات، هو في المستقبل رجل يهِبُّ لنصرة المستضعفين وقت المحن والبلاءات؛ فهو خير من يشعر بآلامهم/ ويعلم احتياجاتهم؛ إذ إنه ذاق يومًا ما ذاقوه..
_ طفل تعرض لمضايقات طواغيت السجون وتعنتهم وكبرهم، هو في المستقبل رجل أقدر من غيره على مواجهتهم؛ فقد فَهِم ألاعيبهم ومكرهم، وضاعت هيبتهم من عينيه منذ الصغر..
إن هذا الطفل هو في الحقيقة كنز للأمة في المستقبل..
غير أن لهذا الطفل الرجل حقًّا على أمه، وحقًّا على أبيه المعتقل، وله كذلك حق على المجتمع المحيط به..
وأول حقوقه على أمه هو أن تدرك أن هذا الطفل، وإن كنا نعده رجل المستقبل، إلا إنه ما زال طفلاً..
هذه حقيقة..
فلا ينبغي أن تضيع طفولته أمام بكاء الأم المستمر، أو شكوى الأم المتواصل من حالها وحال زوجها وحال البيت في غياب الأب وضيق المعيشة..
لا ينبغي أن يتحمل الطفل همومًا حلها ليس بيده وفوق طاقته..
عيون الأم وملامح وجهها هي مرآة الابن التي يرى بها الدنيا، فإن كانت العيون دائمًا باكية، والملامح دائمًا عابسة، فإن هذه الدنيا في عيون الطفل دنيا كئيبة، لا تستحق العيش فيها، ومن هنا ينشأ طفلاً معقدًا رافضًا لحاله، ساخطًا على قدره ودنياه..
وإن كانت العيون قوية صامدة رغم البلاء، أكبر من أي عواصف أو محن، فإن هذه الدنيا في نظر الطفل صغيرة، أقل من أن يحمل لها الطفل همًّا، فينشأ طفلا قويًّا (مثل أمه)، يستطيع بكل سهولة تجاوز الصعاب..
ابنك يا زوجة المعتقل الفاضلة قدر الله له ظروف أبيه؛ لينبت بداخله بذرة النضال والمقاومة والانتقام من الطواغيت..
بذرة حملت قضية الإسلام، والانتصار للمسلمين منذ الصغر..
لا تضيعي تلك البذرة بالضعف والبكاء وإحساس الهوان أمامه..
لا تضيعيها إن شعر منك أنك وهو مجبران على هذا الطريق كارهان له، بل أنت وهو أهل للصمود والحزم وحمل الراية..
ابنك يا زوجة المعتقل لأنه ابن المعتقل فهو أحد جنود التمكين..
كما عليك ِ يا زوجة المعتقل ألا تنسي أنه طفل له احتياجاته وطلباته..
وتلبية القليل من تلك الطلبات لا يتنافى مع كونه ابن معتقل، فلا ينبغي ربط طلباته واحتياجاته كل مرة بأن أباه غائب، أو الظروف المادية لا تسمح، أو أي مبرر يربط بين تلبية الطلب وظروف أبيه..
هنا ينشأ الولد كارهًا لأبيه الغائب، وكارهًا لهذا الطريق العائق بينه وبين طلباته في طفولته..
على الزوجة أن تكون حكيمة في رد فعلها ناحية احتياجات الطفل على المستوى المادي والمعنوي..
أما حق الطفل على أبيه المعتقل، فلن نحمل الأب المعتقل فوق طاقته من تكاليف التربية، يكفيه ما هو فيه من ضغوط.. غير أن احتواءه لابنه في الدقائق القليلة للزيارة، وإيصال مفهوم الثبات والترفع عن التوسل للطواغيت والاحتياج إليهم أمام الطفل، ينشئ بداخله صورة للأب العزيز الذي لم يقبل لنفسه ولا لدينه الضيم ولا الهوان..
أما حق ابن المعتقل على المجتمع، فيتلخص في احتواء المجتمع المسلم المحيط بأسرة المعتقل احتواءً معنويًا وماديًّا لهذا الابن، ينشئ بداخله انتماء لذلك المجتمع الذي تكفل به صغيرًا في محنته، فتراه يكبر وقد حمل في رقبته دَينًا لأبناء المجتمع المسلم، يستعد لسداده وقت الاحتياج إليه..
قد تكون أنت سببًا في تربية جندي مسلم في صفوف المسلمين دون أن تدري..
يتبع إن شاء الله،،،
Be the first to write a comment.