مقدمة
الدعوة محاطة بالمخاطر “حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمكَارِهِ“، ومن يعتقد غير ذلك فإنه لم يفهم حقيقة هذا الدين، أو أنه فهمه لكنه آثر السلامة نائيًا عن أرض الواقع.
إن ديننا يلقى الحرب من العلمانية والصليبية والشيعة واليهودية والشيوعية، وفي آن واحد..
تفرق شملهم إلا علينا فصرنا كالفريسة للكلابِ
و هذا من أقوى الأدلة على أنه الدين الحق الذي ارتضاه الملك لنفسه، كما أنه من أقوى الأدلة على أن أصحاب هذا الدين ليسوا ككل البشر، فهم صامدون بصموده، استمدوا قوتهم من قوته، وأصحاب الدعوة قد خصهم الله بخصائص تجعلهم يتحملون ما لا يتحمله غيرهم، فالبلاء يلي البلاء، كما أن الصمود يتبعه صمود.
ومن أقسى البلاءات التي حلت بالمسلمين بلاء الاعتقال في سبيل الله.
ومرارة الاعتقال يذوقها كل أفراد أسرة المعتقل، فالأب فقد ابنه بعدما أصبح رجلاً أمام عينيه، ثم هو يفقده في وقت احتياجه إليه، بعدما كبرت به السن، وآن الأوان ليستريح، بدلاً من عناء السعي في زيارات السجون، والأم فقدت فلذة كبدها، فقدته أيضا في وقت هو سندٌ لها في سنِّها المتأخر، وأبناء المعتقل فقدوا الموجِّه والمـُرشد والمـُربِّي، وقبل ذلك فقدوا دفء الأبوة وحنانها.
إلا أن مرارة الاعتقال بالنسبة للزوجة لها لون آخر، يختلف عن كل ما سبق، لون يختلط فيه الألم بالتحدي، والانهيار بالمقاومة، والرغبة في الاستمرار، كما يختلط فيه النزول للرغبات البشرية الطبيعية بالتعالي والترفع عن أي سبب يؤدي إلى شماتة الأعداء.
ضحية.. إلا أنها أبية، ضعيفة.. إلا أنها عفيفة، حولت ضعفها وأنوثتها التي استغلها أعداء الدعوة للنيل منها إلى سهام صبر وثبات مع الزوج مصوبة إلى صدور الأعداء.
وإن قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف: 189]، وقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21]، ليصف لنا ما تعانيه الزوجة من ألم نفسي بغياب الزوج؛ فقد خُلقت من نفسه، وبغيابه غاب الأصل الذي وجدت منه.
وقد يغيب الزوج لوفاة أو طلاق أو سفر، إلا أن الزوج المعتقل غائب حاضر، وهذا مما يزيدها تمزقًا، كما أنها تقدم له أكثر مما يقدم لها، ولا مقابل مادي، وهذا مما يزيدها كرامة وعزة.
ما خص الله به زوجة المعتقل من تكوين نفسي ليصل إلى حد الإعجاز، فبالرغم مما بداخلها من تمزق وألم إلا أن في عينيها ثباتًا وصمودًا، يراها الزوج فينشرح صدره ويكمل مسيرته بطاقته التي بدأ بها، وفي التغلب على مشاعرها الحزينة أمام الصغار سببٌ في التخفيف عنهم ما لا يطيقونه، كما أن في سلوكها والتزامها إباء يراه الأعداء فيدبُّ اليأس إلى قلوبهم من النَّيْل بدين هذا الرجل؛ إذ أن هذه هي امرأته.
إن ما تصنعه زوجة المعتقل من الحفاظ على كيان الدعوة بكل خطوة تخطوها وبكل لحظة ألم تمرُّ بها يسمى تاريخًا تُسطِّره لجيل قادم؛ ليرى كيف وصل إليه هذا الدين بعزة وكرامة؛ فيزداد الدين كرامة في عين أبنائه، كما ازداد كرامة في عين الأعداء.
وفي هذا المقال محاولة للوصول بهذه الزوجة إلى برِّ الأمان، بعد طول عناء، بمعرفة ما لها من حق على الزوج المعتقل، وعلى المجتمع المسلم الذي تعيش فيه.. وقبل ذلك ما عليها تجاه نفسها.
المرحلة الأولى:
وتبدأ مع اللحظات الأولى للبلاء…
ومع أن الهدف من الحملة هو النَّيْل من الزوج نفسه، إلا أن أعين الأعداء لا تزال تراقب الزوجة وردة فعلها تجاه ما يحدث.
إن موقف الزوجة في هذه اللحظات هو مؤشر قوي لما سيئول إليه حال هذا البيت فيما بعد..
وإن صمودها وثباتها في هذه اللحظات العصيبة لدليل على صعوبة النَّيْل من دين هذا الرجل؛ إذ إن هذه هي امراته..
لكننا الآن بصدد زوجة ترى زوجها، الذي هو سيدها وربان سفينتها، تحت الأرجل يُهان.. يُبصق في وجهه.. يُشتم بأبشع الألفاظ.
ولتجاوز هذه المحنة في نفس الزوجة، عليها لزوم الذكر، لا ينفك عنه لسانها، ولا يشغلها الحدث الجلل في بيتها عن ذلك السلاح الخطير.
التسبيح.. يُرى معه كل عظيم حقيرًا أمام عظمة الله .
التكبير.. يُرى معه كل متجبر صغيرًا أمام جلال الله .
الاستغفار.. يزول به الأثر الشيطاني لحضور هؤلاء الشياطين في البيت.
كما أن على الزوجة أن تستوعب قول الله وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].
إن زوجها في علو بِنَصٍّ القرآن وإن أهانوه، وإن زوجها في عزة وإن بدا أنهم أذلوه.
ولو استحضرت الزوجة موقف سيدنا هود من قومه، وهو وحيد أمام كثرتهم، ضعيف أمام جبروتهم، ثم انتبهت لقوته في مواجهتهم لرأت شيئًا عجيبًا.
إن هودًا عليه السلام يقف أمام أعتى قوة على وجه الأرض حينها وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت: 15]، وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً [الأعراف: 79]، ومع ذلك تراه يواجههم بقوله: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ [هود: 56].
التوكل.. تلك العبادة القلبية التي تفوق أعتى القوى الجسدية، والتي لو استقرت في القلب ترزقه اطمئنانًا عجيبًا، حتى المقاتل يسري به في وسط نيران القصف، والأسير يشعر به وسط تنكيل التعذيب.
وما إن استقر ذلك التوكل في قلب هود حتى أثبت لهم ذلك الاستقرار بقوله مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا [هود: 56].
فليهدموا البيت رأسًا على عقب.. فما من دابة إلا والله آخذ بناصيتها.
وليتعالى صراخهم ونباحهم في البيت.. فما من دابة إلا والله آخذ بناصيتها.
وليزيدوا ما استطاعوا من تجبرهم الزائف.. فما من دابة إلا والله آخذ بناصيتها.
ثم أتبع هود عليه السلام توكله بإقرار العهد مع الله على الثبات حتى يلقاه إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: 56].
انا زوجة معتقل تم اعتقاله بعد عقد قراننا ياشهر وقبل موعد زفافنا ويشهد الله اني بعد سنتين من الفراق والاعتقال أتعجب ع هذا الثبات والصمود الذي بداخلي رغم تمزق قلبي على فراقه افبعد هذا الحب الذي طال سنين وبعد أن أصبح لي فراق فراق ياالله كيف لي بهذا الثبات وانا التي كنت لا اطيق بأن يغلق هاتفه ولو للحظه سنتين دون زيارة ولا سماع صوته سنتين وهو في سجن شديد الحراسه لا أراه الا يوم جلسته فقط كيف لي بهذا الثبات امام زوجي انا التي كنت اختبي فيه من العالم بأن اكون سر قوته ويقولها لي سبحان الله الذي جل علاه ربي سامحني ان ضعفت يوما وخانتني دموعي لا ارادة لي فيها فأنت الذي زرعت حبه بقلبي فؤادي ليس بيدي يالله فقلبي يتمزق من الفراق فهو الغائب الحاضر بداخلي واعلم ان دينك يستحق هذا وأكثر وانك اصطفيتني دونا عن نساءا غيري لاكون ف ظهر مجاهد في سبيلك واشهجك ياالله انتي ف استطاعتي التحمل ولكن هدئ قلبي ياالله هدئ ألم الفراق هدء مرارة الاشتياق هم لا يروني وانا اتألم ولكن يروني وانا اكافح فرزقني الصبر والثبات وثبت اقدامي واجعلني خير معين لزوجي ياالله ورده الي سالما غانما من شرورهم تلقيت حكمتي فأنا التي لم أكن أعلم شيئا عن هذه المجاهده والمكافحه ف سبيل الله حتي اعددتتي وجعتني وسط هذا البلاء في أكثر من تعلق قلبي به فلك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه أسألك يالله ان تطمن قلبه وتريحه وتزيل همه وانا ترده منتصرا ونبني بيتا ترضاه بيتا اذا راه الرسول تبسم عاجل غير اجل انك ولي ذلك والقادر عليه ?