يقول تعالى:”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرا (الأحزاب:21)…
والتأسي برسول الله في التربية يضيف لأعمارنا أعمارًا فوق أعمارنا,ويوفر علينا التجارب والتخبط خبط عشواء, كما أنه اتباع لسنته في التربية.
وبينا نحن حائرون بين مناهج الشرق والغرب يقدم لنا الرسول الأعظم –صلى الله عليه وسلم سماتً للمربي الناجح وأدواته ومنهجيته في التربية, التي ربى بها أصحابه فقادوا العالم وأناروه بنور الإسلام.
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يكون المربي ناجحًا وقدم لنا من خلال صفحات سنته وسيرته سمات المربي الناجح التي يجب على المربي السعي للتحلي بها..
(1) الحلم
الحِلْم:هو ” أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، فإذا حصل غضبٌ وهو قادر على العقاب، فإنَّه يَحْلم ولا يعاقب. (الدرر السنية)
يحتاج المربي أن يكون حليمًا يصبر على سوء تصرفات طفله ويعلم أن الطفل لم يكتمل نموه النفسي والعاطفي والعضلي, رفع الله عنه قلم التكليف, لذا ليس من اللائق أن يصب المربى جام غضبه على الطفل كلما أسقط مزهرية أو لوث الحائط أو صدم أخيه.
نحن-البالغون مكتملوا النمو- نخطيء , فتسقط منا الأشياء ونصدم المارة في الطريق, وعندما نخطيء ندور بأعيننا باحثين عن من يقيل عثرتنا ويقبل عذرنا.
هل تظن أن (أنس بن مالك ابن السنوات العشر كان يحسن التصرف على طول الخط؟ هل كان الرسول يوافق على كل تصرفاته؟ بالطبع ,لا ولكن (أنس بن مالك ) أخبرنابحاله مع النبي ” خَدَمتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشرَ سِنينَ، فما أمَرَني بأمرٍ فتوانيتُ عنه أو ضيَّعتُه، فلامَني، فإنْ لامني أحدٌ مِن أهل بيتِه إلَّا قال: دعُوه، فلو قُدِّرَ -أو قال: لو قُضِيَ- أن يكونَ كان “[صحيح – أخرجه البخاري (6038]
(2)الرفق وعدم العنف ..
والرفق هو التأني في الأمور, وعدم التعجل فيها. واللين مع الناس وإن استحقوا العقاب.
فيرفق المربي بطفله ولا يتعجل تنفيذه للأوامر..
وقد قال الرسول-صلى الله عليه وسلم لعائشة: “إن الله يحب الرفق في الأمر كله” [متفق عليه]
يحكي لنا عبد الله بن شداد عن أبيه: “خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهرني صلاتك سجدة أطلتها! حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك؟! قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.” [رواه النسائي وصححه الألباني.
(3)الحزم:
قد يظن الظان أن الرحمة والرفق مفادهما أن نترك للطفل حبله على غاربه فلا نوجهه, ولا نعاقبه إن استحق العقاب. والحق أ ن هناك تكاملًا بين الرفق والرحمة والحزم.
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى
فالرسول-صلى الله عليه وسلم- كما ترفق بالحسن والحسين وأنس رضي الله عنهم, كان حازمًا حين قال للحسن بن علي الذي أخذ من تمر الصدقة :” كخ كخ، ارم بها، أما علمتَ أنَّا لا نأكل الصدقة”(متفق عليه)
وكان حازمًا حين نهى عمرو بن أبي سلمة عن الأكل بطريقة غير لائقة تطيش فيها يده في الصحفة , فقال له : “يا غلام ..سم الله وكل بيمينك ,,وكل مما يليك” (متفق عليه)
ولا يسعني هنا إلا أن اتوقف مع الجمل القصيرة التي تحمل أوامر مباشرة يبين فيها الرسول للصحابي الصغير ما الخطأ الذي ارتكبه, ويعلمه بها كيف يصحح خطأه..ويسبق ذلك كله بمناداته (يا غلام) متحببًا إليه لا معنفًا…بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
(4)الرحمة:
قبَّل النَّبِيُّ ﷺ الْحسنَ بنَ عَليٍّ رضي اللَّه عنهما، وَعِنْدَهُ الأَقْرعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشرةً مِنَ الْولَدِ مَا قَبَّلتُ مِنْهُمْ أَحدًا، فنَظَر إِلَيْهِ رسولُ اللَّه ﷺ فقَالَ: مَن لا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ متفقٌ عَلَيهِ
لا شك أن الأباء يحبون ثمرة فؤادهم…ولكن لم لا يعرف أطفالنا أننا نحبهم؟
أطفالنا يحتاجون إلى قبلاتنا..يحتاجون قبلاتنا…يحتاجون أنننظر في أعينهم ونحن نكلمهم…يحتاجونآذانًا مصغية إلى قصصهم الساذجة…
ونحن أحوج منهم إلى قبلاتهم وأحضانهم وقصصهم الساذجة….
(5)العلم :
تجيبنا هذه السمة من سمات المربي عن السؤال الذي يقفز إلى أذهاننا الآن.. متى استخدم الرفق؟ ومتى استخدم الحزم؟ كيف أعرف أن هذا الموقف يتطلب مني حزمًا أو رفقًا؟
العلم….”وكيف تصبر على مالم تحط به خبرًا” (الكهف).سلاح المربي الأهم في التربية والسمة التي يسهل عليه اكتسابها فهي كما قال الرسول- صلى الله عليه وسلم :”إنما العلم بالتعلم..”
يحتاج المربي إلى قدر من العلم الشرعي بالكتاب والسنة يكفيه لأن يعبد الله على بصيرة, فيعرف العبادات المطلوب منه أدائها ويعرف المعاملات مع عباد الله.
ولو ربى أبناءه مع جهله بشرع الله فسيكون بابهم الأول للخرافات والبدع, ومخالفة السنة.
كما يحتاج إلى التعلم عن واقعه ومجتمعه حتى لا يربي أبناءه لزمان غير زمانهم, وحتى يكون منتبهًا لشبهات زمانهم ومستعدًا للتصدي لها.
وأخيرًا يحتاج المربي إلى التعلم عن نفسية الأطفال,ومعرفة الوسائل التربوية الملائمة.
وهنا يضرب الرسول لنا أسوة حسنة في معرفته بنفسيات البشر .. حين فتح مكة فأعلن لأهلها “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن” تأليفًا لقلب زعيم قريش وقائدها, ومراعاة لمركزه في المجتمع القرشي.
وحين قاضى أحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغلظ له القول, هم أصحاب الرسول بالرجل فنهناهم-بأبي هو وأمي_ وقال :” دَعُوهُ، فإنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا،” (رواه البخاري) فهو يعلم أن صاحب الحق قد تثور ثائرته بحثُا عن حقه.
وأعجب من ذلك حلمه ورفقه بالرجل الذي بال في المسجد, وقال لأصحابه “لا تزرموه” لأنه يعلم أن المفسدة قد وقعت, وأن الرجل كما بدا من حاله لا يعلم أحكام المساجد.
فاستطاع بسبب علمه ذلك أن يكون حليمًا ورفيقًا بالرجل. وكلمه بعدها وبين له أن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر.
(6)المرونة والتغافل:
يحتاج المربي أن يكون مرنًا … يتغاضى عن الصورة المثالية التي يتوقعها من طفله, ويقبل منه مجهوده ويقدره..فيقلل من اللوم والعتاب لأن كثرة اللوم توغر الصدر
يقول –صلى الله عليه وسلم:”ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟، تحرم على كل قريب هين لين سهل”
وأولى إخواننا باللين هم أبناؤنا. نتغافل عن أخطاء يسيرة لنتمكن من معالجة أمور أكبر. نتغافل عن مضارباتهم … عن كلمة لم يعنيها الطفل …عن خط سيء في واجبه.. لأتمكن من معالجة صلاته وعبادته ودراسته
(7)الاعتدال والتوسط:
والاعتدال هو الميزان الضابط للرفق والرحمة واللين من جهة والحزم من جهة اخرى.
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنِّي والله لأتأخَّر عن صلاة الغداة مِن أجل فلان ممَّا يطيل بنا فيها، قال: فما رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قطُّ أشدَّ غضبًا في موعظة منه يومئذ، ثمَّ قال: يا أيُّها النَّاس، إنَّ منكم مُنَفِّرِين؛ فأيُّكم ما صلَّى بالنَّاس فليوجز، فإنَّ فيهم الكبير والضَّعيف وذا الحاجة. (البخاري ومسلم)
هذا بعض ما فتح الله به من سمات المربي التي تعلمناها من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-..
ولا زال للحديث بقية عن المنهج النبوي في التربية…
Be the first to write a comment.