تحدثنا سابقًا عن مراحل الغرس العقدي، وذكرنا أن التربية العقدية تمر بمراحل أربع:
1- مرحلة ما قبل الحمل والولادة.
2- مرحلة المهد.
3-مرحلة الطفولة المبكرة.
4- مرحلة المدرسة .
والمرحلة الأخيرة هي التي ننهي بها حديثنا عن مراحل التربية العقدية.
ويمكن أن نسمي هذه المرحلة ( مرحلة التدريب) ، وتمتد في الفترة العمرية بين 6 سنوات وهو عمر التحاق الطفل بالمدرسة إلى ما قبل المراهقة حتى عمر 12 عامًا.
وتتميز هذه المرحلة بتباطؤ سرعة النمو مقارنة بالمراحل السابقة التي كان النمو فيها أسرع، ويزداد نشاط الطفل الحركي، ويصبح الطفل أكثر قدرة على التحكم في عضلاته،ويصبح قادرًا على تحقيق التآزر العضلي العصبي، وبنهاية المرحلة تبدأ علامات البلوغ في الظهور.
ومع النمو العضلي ينمو الطفل اجتماعيًا بصورة لافتة، فيكوّن صداقات. وتتوسع بيئة الطفل وتتنوع المؤثرات عليه. من مدرسة وأصدقاء وجيران.
وبعد أن كان المنزل هو محضن التربية الأول , يظهر شريك في التربية يقضي فيه الطفل معظم يومه ويكون عبر ه صداقاته وخبراته مع المجتمع …ألا وهو المدرسة.
ولأن المدرسة شريك في تربية الطفل فيجب أن يحسن الوالدان اختيار المدرسة التي تساعد الأسرة على غرس القيم الإسلامية والعقيدة في نفس الطفل، لئلا يحدث تصادم بين ما نغرسه في البيت وبين ما يتلقاه في المدرسة.
ولنحذر من إلحاق أبناء المسلمين بالإرساليات التابعة للكنائس،فهي تهدم القيم الإسلامية، وتخلخل العقيدة في فطرة الطفل.
ويمكن التوسع في ذلك الشأن بمطالعة كتاب المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية تاريخها ومخاطرها للدكتور بكر أبوزيد رحمه الله.
والهدف الأول من التربية العقدية في هذه المرحلة العمرية هو تعزيز العقيدة في قلب الطفل وبيان أدلتها ومناقشتها معه، فلا نكتفي باستظهارها وحفظها.
ويمكن أن نلخص بعض الأدوات النافعة في الغرس العقدي لهذه المرحلة :
أولأ: التذكير الدائم بنعم الله عز وجل، حيث يغلب الجانب المادي على الطفل في هذه المرحلة، فنبدأ من نعمة محسوسة…كالسمع والبصر والطعام والفاكهة ونناقش مع الطفل أصل هذه النعمة وكيف نشكر الله عليها…على سبيل المثال: كيف أن هذه التفاحة كانت بذرة زرعت في بلاد بعيدة …زرعها فلاح لم نره ولكن الله يعلم أن هذه البذرة ستنبت شجرة وأن أحد ثمارها سيصل إلينا متنقلًا عبر البحار …
في سن أكبر يمكن أن نناقش معه التمثيل الضوئي وكيف غذى الله التربة بالأملاح والمعادن وكيف يسر وصول الماء لنبتة التفاح حتى تصل إلينا.
ثانيًا: غرس المراقبة هام جدًا في هذه المرحلة التي يقترب فيها الطفل من المراهقة ويبدأ في رفض الرقابة الأبوية عليه.
وذلك من خلال الحديث معهم بأن الله يسمع ويرى، فنعرض لهم حوار لقمان مع ولده :” يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ” (لقمان: 16)
ثالثًا: إشعار الطفل بالانتماء لله ولرسوله ولأمة الإسلام. والشعور بالانتماء حاجة فطرية, يحتاج الإنسان أن يكون منتمٍ لجماعة..ونحن المسلمون ننتمي لأمة بدأت بآدم وتنتهي عند آخر من يقول لا إله إلا الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
رابعًا: القرآن في هذه المرحلة رفيق الطفل, يستكمل حفظه ويبدأ في تدبر معانيه ، يستخلص منه مباديء العقيدة والقيم الإسلامية، ويضبط لسانه، ويكون أصدقاء هم رفقاءه في حلقات القرآن.
خامسًا: الحديث الشريف معين لا ينضب، لتعلم الخلق وتثبيت أحكام الدين ..يحسن في هذه المرحلة العمرية أن يقيم المربي مسابقات لحفظ الكتاب والسنة على نطاق أطفال العائلة أو الجيران ويساعد هذا الأطفال على التنافس المحمود.
سادسًا : في هذه السن يؤمر الطفل بالعبادة؛ كالصلاة والصيام والأذكار الموظفة اليومية والصدقات
.يؤمر بالصلاة بعد أن تدرب عليها طويلًا، ويتعلم فقهها وأحكامها، ونحث الصبيان على الصلاة في المسجد. والتدريب على الصلاة يحتاج صبرًا فوق الصبر كما قال تعالى :
” وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ ” (طه:132) والاصطبار درجة أعلى من الصبر.
لأن الصلاة عمل متكرر خمس مرات على مدار اليوم، ثم هي تتكرر يوميًا، يحتاج المسلم فيها للالتزام بطهارة وهيئة معينة وإلزام الطفل بالمحافظة على الصلاة وإقامتها في اوقاتها وضبط هيئتها-بعد تدريب من عمر سبع سنوات هجرية- مهمة تحتاج توجيهًا دائمًا من الوالدين وتذكيرًا بنعم الله وفضله علينا وأهمية شكره ومكانة الصلاة في الإسلام، فيتنوع توجيه الوالدين لالتزام الصلاة بالأمر المباشر: (قم صلِّ)..أو (نبهني إذا سمعت الأذان)…أو (سأصحبك للمسجد لنصلي سويًا)..(أنت المسؤول عن تذكير أخوك بالصلاة) ..كذلك تتنوع المقاربة بالتوجيه بين مكافأة الملتزم بالصلاة ماديًا أو معنويًا أو حتى بإعفاءه من مهام أو مسامحته إن أخطأ..
سابعًا: الطفل في هذه السن قادر على حفظ أناشيد ومتون تعلمه معاني العقيدة ويحسن أن نهتم بشرح المتون والأولوية في الحفظ بالطبع للقرآن والسنة . فكلام الله وكلام رسوله أولى وأيسر وأضبط. وأرشح هذه السلسلة التي أنتجتها قناة المجد دروس أبي
ثامنًا: التلوين والأعمال الفنية بوابة واسعة لشغل وقت الطفل ووتدريب عضلاته الصغيرة وكذا فتح باب للخيال وتعلم مهارات فنية. كما أنها مصدر هام لتعليم الطفل قيم الدين وعقيدة الإسلام.
فنساعد الطفل بتصميم مجسم لأركان الإسلام..أو تلوين لوحات تعبر عن رزق الله للكائنات..والباب واسع كذلك أمام المربي فيبتكر ما يناسب طفله والأدوات لديه ويتطور معه في صعوبة النشاط أو سهولته حسب عمر الطفل واستعداده، فالطفل الأكبر يمكن أن يصمم مقطعًا مرئيًا أو عرض للشرائح..
تاسعًا: المسابقات نشاط محبب للأطفال ومصدر هام في النهوض بمعارفهم. ويمكن تحديد كتيب للأطفال تجرى فيه مسابقة ..أو موضوع يطلب فيه من المتسابقين إعداد بحث.
حتى المسابقات الحركية يمكن الانتفاع بها ي غرس العقيدة لدى الطفل.
عاشرًا: الكتاب ن أهم الأدوات المعينة على غرس العقيدة. وأنبه القاريء الكريم أن كتاب الكبار ليس دائمًا يصلح للصغار, يحتاج الطفل مطبوعات تناسب اهتماماته لغتها سهلة سلسة ..حروفها كبيرة ..ألوانها زاهية..ومن المهم أن يطالع المربي الكتب التي يقدمها لطفله ليتأكد من صحة محتواها.وأنصح في هذه المرحلة خاصة قرب نهايتها بمناقشة الطفل في محتوى ما يقرأ ومساعدته على نقد الكتاب ومشاركته في تصحيح الأخطاء في الكتاب.
أخيرًا هذه المرحلة تحتاج من الوالدين اعتدالًا في التوجيه وتنويعًا بين الترغيب والترهيب وتشجيع الطفل باعتدال يساعده على تميز الخطأ من الصواب دون مبالغة تفسده.
ولا تنس أيها المربي الفاضل أن المرحلة القادمة في مراحل التربية هي مرحلة المراهقة بما تحمله من رفض للتوجيهات وتفضيل لمجالسة الأصدقاء عن الأبوين. ولذلك احرص على أن تبني علاقة طيبة مع طفلك الذي كاد يشب عن الطوق فتصاحبه وتتناقش معه في أمور الأسرة وأمور المسلمين وتسمع منه وتوجهه. لينتقل للمرحلة الجديدة وقد صلب عوده واستعد لمواجهة الحياة بامواجها المتلاطمة.
بارك الله في ذراري المسلمين وأعاننا على تربيتهم كما يحب ويرضى
Be the first to write a comment.