كعادة مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر أن تخرج علينا كل رمضان بكمية مسلسلات لتروّج بها لأفكارها المنحرفة، ناهيك عن التلبيس والتدليس والاستهزاء بالشعائر الإسلامية والنصوص الشرعية، ومن ثم يخرج علينا النخبة السياسية والإعلامية التابعة للنظام يستغربون من الحال الذي وصل إليه المجتمع.
لكن ما يميّز هذا العام أنّ كمية التدليس والكذب أكبر، سيما التي ظهرت في مسلسل الاختيار 2 والتي فاقت التوقعات، وأسال الله أن يُخيب رميهم فيه ويكون هذا العمل بداية وضوح الرؤية لعامة المسلمين، حيث أن العمل يوثّق فترة تاريخية عاينها وعايشها الجيل الحالي، ومن لم يكن مشاركاً في أحداثها، فهو على الأقل مطّلع على بعض تفاصيلها ويعرف حقيقة ما جرى في ميدان رابعة وما تبعه من أحداث، ويعرف من قتل واعتقل ومن قُتل وأُصيب وأُسر.
فمن وجهة نظري أن النظام المصري في هذا العمل لم يوَفَق بحياكة صورة بطولية متمثلة بالجيش والأجهزة الأمنية والتي تقاتل شرذمة من الإرهابيين، على عكس مسلسل الاختيار 1الذي يحكي عن وقائع حدثت بين الجيش وتنظيمات وتيارات جهادية قليلة الاحتكاك المباشر مع العامة، ودارت في سيناء وهي منطقة بعيدة عن الشريحة الأكبر من الجماهير، لذلك كان الانبهار حينها كبيراً بهذا العمل وترك صدىً ملحمياً بين مؤيدي النظام، وللأسف حتى من بعض المعارضين ضعاف النفوس وقليلي الوعي والذين كنا نراهم يتحدثون بفخر ويمدحون شجاعة الجيش المصري وقوته بل وصل الافتخار أن ينشروا صورهم بالزيّ العسكري أثناء فترة تجنيدهم الإجبارية.
أما في الاختيار 2 فقد انكشف الزيف والتدليس وبتنا نرى على مواقع التواصل الاجتماعي كماً كبيراً يهزأ من مبالغة النظام في إظهار إنسانية وحسن معاملة الجهاز الأمني الوطني مع المعتقلين وخاصة داخل غرف التحقيق المعروفة لدى الجميع بأنها عبارة عن مسلخ بشري يتعرض فيه المعتقل لكل أنواع التعذيب حتى التي لا تخطر على بال بشر، ورأينا الاستهزاء بإظهار النظام بصورة الإنسان العادل الرحيم الذي لا يؤاخذ بالجريرة فلا يعتقل أهل المطلوبين ولا نسائهم ولا حتى أطفالهم، ومن ثم لا يخفى على أحد المبالغة في إظهار المحقق بصورة الرجل الحكيم والواعي وحتى المتدين الملم بالأحاديث وتفاسير الآيات، أما المعتقل والذي ينتمي لتيار إسلامي فهو رجل ساذج قليل الوعي لا يفقه من أمور دينه أو دنياه شيئاً، فهو يحفظ دون أن يفهم، وينفّذ دون أن يعقل، ولم يبق إلا أن يظهروا لنا حسام أبو البخاري وهو في غرفة التحقيق يجلس منكسراً أمام المحقّقين الذين لا يستطيع مجاراتهم في نقاشاتهم المنطقية العادلة وأدلتهم الدامغة والمقتبسة من القرآن والسنة طبعاً.
أما ما يحزّ في النفس فعلاً فهو أن نرى مثل هذا العمل يمر دون ردة فعل مباشرة من المعارضة المصرية، سوى بضع منشورات خجولة تناثرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أو ردة فعل من الشعب المصري الثائر الذي يعرف يقيناً كذب النظام وتزويره للواقع، وأما التعليق على صفحات المشاركين بهذه الخيانة على أنهم فقدوا احترامهم وشعبيتهم وجماهيرهم، فهو غير مجدٍ البتة لأنهم أساساً لا يهتمون سوى للمال والشهرة التي يقدمها لهم النظام، ولا أستغرب أن يقوموا بعد فترة بعمل فني آخر يمجدون فيه من يلعنوهم اليوم لتبييض صفحاتهم لدى الشعب وليعودوا نجوماً وأعلاماً مرة أخرى، انطلاقاً من مقولة “ذاكرة الشعوب كذاكرة السمك”.
أمن النظام المصري العقوبة من الشعب فأساء الأدب في تاريخهم ومعتقداتهم وشهدائهم ومصابيهم وأسراهم.
لذا لا يجب أن يمر هذا الأمر بسلام دون عمل حقيقي يجبر هؤلاء المرتزقة (الممثلين) على الاعتذار عن المشاركة بمثل هذه الأعمال الضالة المضلة بحجة أنهم يخافون من بطش النظام أو أنهم كانوا مجبرين على هذا، ولابد من خلق رادع في نفوسهم كأن نوصلهم لمرحلة الخوف من بطش المعارضة إذا ما أساؤوا الأدب في حق الثوار والمجاهدين مرة أخرى.
ولن يكفي عزيزي القارئ أن تقرأ هذه المقالة وينشرح صدرك للكلام وتخدر ضميرك بإقناع نفسك أنك معارض وثائر ضد النظام فالأفكار والقناعات لا جدوى منها مالم تنعكس واقعاً ذو أثر على الأرض، وأكرر لك لا تنتظر التنظيمات والأحزاب فكلٌ منهم يغني على ليلاه
ولا تكن محلّلاً ومنظّراً للأحداث، بل لتكن أنت الحدث واتركهم يحلّلون أعمالك ويتكلمون عنها،
حدد مسارك واعقد النية وتوكل على الله فهو حسبك
أنت الثورة والثورة أنت
زياد العمر
Be the first to write a comment.