By / 17 فبراير، 2022

مهارة إسقاط الخصوم – الثورة الفرنسية نموذجاً (3)

سادساً – يقظة قادة الثورة وانتباههم لكل تحركات الثورة المضادة:

1 – بدا للملكية أن تدخل الجيش هو الحل الوحيد، فعشية اليوم الذي أصدر فيه لويس السادس عشر أوامره للنبلاء ورجال الدين أن ينضما للمؤتمر الوطني كان هناك مخططٌ حقيقي للقضاء على الثورة باستخدام الجيش، وفي 26 يونيو أمر الملك باستدعاء ستة أفواج عسكرية، وفي 10 يوليو 1789 أمر الملك باستدعاء عشرة أفواج أخرى معظمهم من السويسريين والألمان بحجة حفظ النظام، وفي 11 يوليو أقال الملك “نيكر” وكل وزرائه الليبراليين، واستدعى إلى الوزارة “البارون دي بروتيل” المعادي للثورة، وتسلم فيها المارشال “دي بروغلي” وزارة الحرب وكان من أشد أعداء الثورة، فاعتبر الثوار هذه الإجراءات بمثابة مؤامرة وإعلان حرب على الثورة الوليدة.

2 – كانتِ الجماهير شديدة الحرص منذ بداية الأحداث، وكان النواب يُطلعون ناخبيهم بانتظام على مجريات الأحداث. وحين شاع الخبر بعد الظهر شعر الشعب أنها الخطوة الأولى في طريق الردة، فأغلقوا البورصة والمسارح وتنظمت اجتماعات ومظاهرات، وخطب كاميل ديمولان في ميدان “الباليه رويال” ودعا الجماهير إلى حمل السلاح، فجرى نهب مخازن الأسلحة والذخيرة، وفي 14 يوليو 1789 هاجم الثوار سجن الباستيل للحصول على الذخيرة، وقاومت الحامية بقيادة “رينيه دي لوناي” وقُتل من الثوار نحو المئة فثار الشعب واقتحم ساحات السجن يريد أن ينتقم لقتلاه، وقُتل ثلاثة ضباط وثلاثة جنود وجُـرَّ “لوني” عبر الأرصفة إلى قصر البلدية وهو يُضرب ويُهان وقُتل في ساحة “دي غريف”، ولاقى “بريغو” رئيس التجار المصير نفسه، وحمل الشعب رأسيهما مُعلقين برمحين حتى القصر الملكي.. لقد امتشق الشعب السلاح. وفي 16 يوليو استدعى الملك “نيكر” وزملاءه، وفي اليوم نفسه عُين “بايي” عمدة لباريس و”لافاييت” قائداً للحرس الوطني.

 

3 – حاصر الشعب قصر فرساي حيث إقامة الملك، واجتاح المتظاهرون ساحات القصر، وينسحب الحرس الملكي تاركاً الكثير من رجاله على الأرض فيلاحقهم الجمهور عن طريق الدرج الكبير، وعند مدخل جناح الملكة التي لم تَكَدْ تَجِدْ من الوقت إلا ما يكفيها لارتداء ثيابها واللجوء إلى غرفة الملك، وتم إيقاظ “لافاييت” على عجل فجاء على رأس الحرس الوطني وأنقذ الملك والملكة قبل أن تفتك بهم الجماهير الثائرة، والجمهور يصرخ: “إلى باريس! إلى باريس!” فخرج إليهم الملك مضطراً إلى الشرفة وقال: “يا أصدقائي، سأذهب إلى باريس مع زوجتي وأولادي، إنني أعهد بأغلى ما عندي إلى رعاياي الطيبين الأمناء”.. وعاد الملك صاغراً باريس محفوفاً بالحرس الوطني والشعب الفرنسي وكلُّ منهم قد وضع رغيفاً في رأس حربته، والنساء مُسلحات بالرماح والبنادق يصرخ: “لقد عُدنا بالخباز والخبازة والخادم الصغير”.. حتى وصل الملك إلى قصر التويليري سجيناً في عاصمته.

 

4 – خضع الملك – مُكرهاً – للحُكم الدستوري، وفي فبراير 1790 بدأت تهاجر سيدات فرنسا عمّات الملك، ويُثرن بذلك الشكوك الثورية، وفي شهر أبريل أراد الملك أن يغادر “التويليري” ليذهب “سان كلو” كما يفعل كل عام، ولكن الجماهير أمسكتْ بلجام جياد العربة الملكية ومنعته من الانتقال، وبهذا أصبح الملك أسيراً في أيدي الثوار ينتظر تقريرَ مصيرِه على أيديهم.

لم يقبل لويس السادس عشر بهذا النظام الجديد وقرر الفرار من باريس للابتعاد عن الضغط الثوري وتوفير الأمان الشخصي. غادر الملك بصحبة عائلته – في زي وصيف – محاولاً الذهاب إلى منطقة لورين في شمال شرق فرنسا التي كانت تعرف بولائها للنظام الملكي، ولكن كانت يقظة الثوار هي المنقذ حيث كانت أخبار الأسرة الملكية تصل إليهم عن طريق خادمة الملكة “دي دوشروي” والتي كانت عشيقة “دي جوفيون” الرجل الثاني في الحرس الوطني. 

(وهنا تبرز ضرورة إنشاء جهاز جمع المعلومات، حيث ينبغي أن يكون ثمة من يتفرغ لجمع وتحليل المعلومات؛ لتقديم المشورة لمتخذي القرار لدى قيادات الثورة)..

 

سارت العربة الملكية طول النهار لكن خبر فرارهم كان قد انتشر وعلى الساعة الثامنة ليلا توقف الموكب أمام معبر “سانت مينشولد” للحظات ليتابع سيره بعد ذلك، لكن بدأ سكان المنطقة يتساءلون عن هوية تلك العربة الغريبة وبسرعة تداولت الأخبار بأن ركابها ليسوا سوى الملك وعائلته. استُدعي قائدُ المعبر الذي أقر بعد أن رأى صورة الملك أن لويس من بين الركاب، وهناك تعرف قاض يدعى “جاك ديستي” والذي كان قد عمل سابقا في قصر فرساي على هوية الملك.. في تلك اللحظة وصلت رسالة من المجلس الوطني تطلب إلقاء القبض على الفارين.

5 – كان الشعب متجمعاً في 25 يونيو ليشهدَ عودة الملك مقبوضاً عليه، وفي ذات اليوم قررتِ الجمعية تعليق سُلطة الملك وتأليف لجنة تحقيق في حادثة الهروب، وانتهت أعمال اللجنة بتقديم لويس السادس عشر إلى المحاكمة التي قضت عليه بالإعدام، وفي 21 يناير1792 حملته عربة يحيط بها الحراس من كل جانب إلى ميدان الثورة. وقبل أن ينفذ حكم الإعدام حاول أن يتحدث إلى الجماهير: “أيها الفرنسيون، إنني أموت بريئاً إنني أقول ذلك وأنا على سقالة المقصلة وسأمثل قريباً أمام الرب، إنني أعذر أعدائي وآمل في فرنسا ” لكن عند هذه الكلمة أشار رئيس حرس باريس “سانتير” وقال: فلتدق الطبول! فدقتِ الطبول، وراحت الجماهير تنظر في صمتٍ والنصل الثقيل يسقط على رأس الملك.

 

فلنتعلمْ إذن: بناء شبكة تحالفات ثورية قوية، والعمل على تفكيك أركان الخصم، والتفريق بينهم، ومنع وَحدتهم، وتشويه سمعتهم، ثم اطرحِ البديلَ الذي يُقنعُ الشعبَ، وبعدها واجه خَصـمَك وأنت واثقٌ من النصــر.


Be the first to write a comment.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *