تكلمنا -سابقًا- عن الخلط بين مفهومي الكِبْر والكِبْرياء في أذهان النساء، وما ترتب علي ذلك الخلط من ضياع العلاقات الزوجية، وخراب البيوت.
واليوم، نتكلم عن مفهوم الندية في العلاقة بين الزوج وزوجته، وهل هي في صالح الحياة الزوجية أم ضدها؟
مبدئيًّا، لا يخفى على ذي عقل الاختلاف الخِلْقِي التًشريحي بين المرأة والرجل؛ فبِنْية المرأة الجسدية الضعيفة، وهرمونات الأنوثة الضرورية لوظيفتها كامرأة، وما تمر به من ظروف الحمل والرضاعة..
هذه البنية، وهذه الهرمونات- خلقها الله على هذه الصورة -عينها- لتسير بالمرأة في الاتجاه العاطفي الذي يُغَلِّب العاطفة على العقل؛ فتستطيع القيام بدورها كزوجة ودود، وأمٍّ حانية.
إذًا، الاختلاف في التركيبة الخِلْقية كان ضروريًّا من البداية؛ لتكوين أسرة تتكون من: رجل، وامرأة، وأطفال.
وعليه فنقصان العقل الذي تكلم عنه الرسول ﷺ هو -في حدِّ ذاته- كمال لجانبها العاطفي، المطلوب لدورها في الحياة.
فلو وضعت هذه التركيبة وهذه الإمكانات الخِلْقية في ظروف تعاكس أو تضاد إمكاناتها، كأنْ تتحمل مسئولية قرارات تستدعي العقل الراجح، وتغلب جانب العقل على العاطفة؛ هنا نقول: إنَّ المرأة وُضعت في ظروف لا توافق إمكاناتها.
كذلك لو وضعت في ظروف تستدعي قوة بدنية ليست في طاقتها؛ هنا نقول: إنَّ المرأة وُضعت في ظروف لا توافق إمكاناتها.
هَبْ أنَّ شخصًا أمسك سمكة ذات خياشيم وزعانف، مخصصة لتعوم في الماء، ثم وضع تلك السمكة بتركيبتها تلك في الصحراء، وانتظر منها أن تعوم.. ما النتيجة؟
ستموت السمكة، وسيعتبر هذا الشخص قاتلًا لها.
المرأة التي ترفع راية الندية والمساواة بينها وبين الرجل ستموت..
ولا نقصد بموتها خروج الروح من الجسد، لكنَّها تموت وهي حية، بموت أنوثتها وفطرتها، وتدمير نفسيتها التي وقفت بها عكس التيار.
والذين يطالبون بمساواة المرأة بالرجل بنفس إمكاناتها التي خلقها الله هم في الحقيقة يقتلون المرأة قبل أن يدمروا الأسرة كلها؛ فأوَّل من يتضرر برفع راية (الندية) هي المرأة، وأول من يدفع ثمن الندية في الحياة الزوجية هي الزوجة، قبل الزوج وقبل الأولاد.
وعلى ذكر الأولاد تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة:
س: ما حال الطفل الذي نشأ بين أبوين يتناطحان في قرارات مهمة بشأنه؟
س: كيف سيكون استقراره النفسي؟
س: ما الذي يدور بداخله مع كل مشكلة يرى فيها ذلك الاشتعال الحاصل بين طرفين، هما بالنسبة له منبع الحياة؟
إذا استطاع هذا الطفل البوح بما بداخله سينطق بِحَيْرة: ماذا أفعل الآن؟ وأيكما كلامه صواب؟ وما مصيري أنا بعد هذا العراك؟
أمَّا إذا شبَّ وأصبح فتًى يافعًا، فسيفعل ما يحلو له ضاربًا بالجميع عرض الحائط، فلا قدوة ولا أسوة تستحق الإنصات والتوجيه من وجهة نظره.
إذًا، الأولاد هم المتضرر الثاني بعد أن تضررت الأم؛ نتيجة لرفع راية الندية والمساواة في الأسرة.
س: هل يتعارض ما قلناه مع احترام مشاعر المرأة وتقديرها ؟
جـ: الحقيقة أنَّ احترام مشاعر المرأة وتقديرها يبدأ من داخلها هي، وليس من الآخرين.
إن وضعت المرأة نفسها في مكانها الصحيح، واحترمت خِلْقة الله لها، وتركيبتها النفسية والجسمية، وراعت أنوثتها؛ سيقوم كل الأطراف من حولها – تلقائيًّا – باحترامها وتقدير مشاعرها.
وإذا لبست ثوبًا لا يليق بها، وخرجت عن فطرتها، ووضعت نفسها في ظروف أكبر من إمكاناتها؛ فلا تَلُم من عاملها بطريقة غير صحيحة في مكانها غير الصحيح.
س: هل يجوز الاستدلال بالنداء القرآني للمؤمنين والمؤمنات في التكاليف الشرعية على المساواة في الحياة الزوجية، أو ما يسمونه بالندية؟
جـ: المساواة في التكاليف الشرعية كانت -فقط- فيما تساويا فيه خِلْقيًّا وبدنيًّا، أمَّا ما كان فوق احتمال المرأة بدنيًّا، كالجهاد والصوم وقت الحيض، وما كان فوق احتمال المرأة ذهنيًّا، كولاية المرأة لأمور المسلمين العامة؛ فلا تسوغ فيه المساواة، وعلى هذا الأساس فالاستدلال باطل.
س: هل يجوز الاستدلال على الندية بقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾؟
جـ: وردت الآية في الحقوق الزوجية لكلا الطرفين عند الخلاف، وقد فسر النبي ﷺ حقَّ الزوجة في الحديث، ولم يذكر في معناها المساواة، وإنَّما قال حين سُئل: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا؟ قال : «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ».
س: هل يجوز الاستدلال على الندية والمساواة بحديث: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»؟
لا؛ لأنَّ تكملة الحديث: «مَا أَكْرَمَهُنَّ إِلَّا كَرِيمٌ، وَمَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لِئِيمٌ»؛ ففي الحديث توصية بحسن معاملة المرأة، وليس كل من تحسن معاملته يعني مساواتك به في الخِلْقة، أو في الوظيفة، أو في القدرة على إدارة أمور الحياة.
وأخيرًا..
لن تجد المرأة راحتها وسكينة قلبها إلَّا بانسجام حياتها في بيتها مع تكوينها الذي خلقها الله عليه.
وأيُّ اتجاه يسير بها عكس خِلْقتها سينشئ بداخلها نوعًا من الشتات الذي يمزق كيانها، حتى لو كان هذا الاتجاه الخبيث مصبوغًا بصبغة إسلامية.
والله لا يصلح عمل المفسدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
Be the first to write a comment.