فوجئ الكثيرون بما ظهر من التحولات في العلاقة الأمريكية– الإيرانية، خلال السنوات الأخيرة، لكن المتابع والمدقق يعرف أن العلاقات بينهما لم تنقطع على مدار التاريخ من صراع نفوذ إلى توافق في الأهداف والطموحات والتوسع، فأمريكا لم تدخل مع إيران في صراع حقيقي، والحقيقة الخفية أن العلاقات السرية بين البلدين تحولت للعلن، حتى تتم الاتفاقيات على مسمع ومرأى من العالم.
والسر في هذه العلاقة أن أمريكا تتفق مع الشيعة في أن عدوها الرئيسي هو الحركات الإسلامية السنية، حيث تعطيهم أمريكا الضوء الأخضر لضرب الإسلام السني والحركات الإسلامية السنية في العراق وسورية، وتحقيق إيران حلمها بتصدير الشيعية ومحاصرة العالم الإسلامي السني، تمهيداً لقيام الإمبراطورية الفارسية من جديد لتحكم العالم الإسلامي.
العلاقات من السر إلى العلن
لقد أعطى الخميني في1984 الضوء الأخضر لإجراء محادثات سرية مع الولايات المتحدة بواسطة إسرائيل، وأوضحت التقارير المدى الذي وصل إليه الخميني من الاتفاقيات السرية مع الأمريكيين، وفي1986م قام مستشار الأمن القومي الأمريكي “بد مكفارلن” بزيارة سرية لطهران، وحضر على متن طائرة تحمل معدات عسكرية لإيران، وتم الكشف عن هذه الزيارة فيما بعد.
في عام 1985 عقدت أمريكا اتفاقاً مع إيران يقضي ببيع إيران وعن طريق إسرائيل ما يقارب 3000 صاروخ “تاو” مضادة للدروع، واستعمال أموال الصفقة لتمويل حركات “الكونترا” المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا.
استمرت العلاقات السرية مع أمريكا بعد موت الخميني، في عهد رفسنجاني، حيث تم التنسيق بينهما خلال حرب الخليج الثانية، حيث سعت ايران للقضاء على العراق، ثم كان الانفتاح الأكبر في عهد محمد خاتمي، حيث تحولت العلاقات بينهما من السر إلى العلن لأول مرة منذ قيام الثورة الخمينية
أحداث 11 سبتمبر
سارع الرئيس محمد خاتمي بإدانة التفجيرات التي وقعت في نيويورك وواشنطن بعد ساعات من وقوعها، ثم توالت صور المشهد التأبيني في إيران بصورة تدعو للدهشة، فلأول مرة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م لا يرفع شعار “الموت لأمريكا” في خطبة الجمعة المركزية في طهران، ووصف إمام الجمعة المركزية في طهران الحادث بأنه “حادثة مفجعة للقلب، ومثيرة للرعب، وهذه الأعمال التي قام بها مجموعة الإرهابيين من الأعمال المدانة والتي تدينها جمهورية إيران الإسلامية”
كما أعلن محسن آرمين نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني إدانته للحادث، وقام 165 عضواً من أعضاء مجلس الشورى البالغ 290 عضواً بالتوقيع على وثيقة أعربوا فيها عن تعاطفهم مع الشعب الأمريكي، وطالبوا بحملة دولية لمكافحة الإرهاب.
كما سمحت وزارة الداخلية الإيرانية لعدد من التيارات السياسة بتنظيم مظاهرات للتعبير عن مواساة الشعب الأمريكي، ولم تخرج هذه المظاهرات بعد ذلك عندما دكت الولايات المتحدة الأراضي الأفغانية، في رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن موقفنا إيجابي من الأحداث ومستعدون للتعاون.
وقد أثار الرد الإيراني اهتماماً أمريكياً، حيث تم دفع إيران للدخول إلى التحالف الأمريكي ضد طالبان والقاعدة، وكان هذا الاتصال بداية للتنسيق الرسمي، وكتبت صحيفة صنداي تايمز البريطانية أن إيران بعد هجمات 11 سبتمبر تحولت من دولة تعتبرها الولايات المتحدة أكثر الدول نشاطاً في دعم الإرهاب إلى حليف محتمل لأمريكا.
مجموعة 5+1
عدما توصّلت إيران مع وزراء خارجية دول مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا)، إلى اتفاق في أكتوبر 2013م؛ اشتعلت المنطقة بالتكهنات والتحليلات حول حقيقة الاتفاق والعلاقة بين أمريكا وإيران.
وفي عام 2015، توصلت مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية مع إيران إلى اتفاق في المحادثات الجارية في مدينة فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني يشمل تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها.
وبموجب الاتفاق تم تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران تدريجياً، وافرج عن جزء من أموالها المجمدة لدى أمريكا وبعض الدول، كما تم رفع الحظر عن البنك المركزي الإيراني وصادرات النفط والتكنولوجيا المدنية، والسماح باستخدام الودائع الإيرانية في عمليات شراء قطع غيار للطائرات المدنية وغيرها، وتعليق بعض العقوبات على قطاع السيارات الإيراني وصادرات إيران من البتروكيماويات.
……..
الاحتلال الأمريكي للعراق
(لولا مساعدة إيران لما نجحت أمريكا في احتلال العراق وأفغانستان) كان ذلك اعتراف قادة إيران، وفي مقدمتهم خاتمي، حينما كان رئيساً في نهاية عام 2004، وقاله قبله نائبه محمد علي أبطحي في مطلع عام 2004 في ندوة دولية بدبي، وقاله بعدهما هاشمي رفسنجاني أثناء حملته الانتخابية في عام 2005.
في أكتوبر 2001، قامت اتصالات هي الأعلى منذ قيام الثورة الإيرانية بين المخابرات المركزية الأمريكية وحكومة خاتمي، للمطالبة بالإطاحة بحكومة طالبان، والإتيان بنظام حكم جديد في بغداد، وقد أجريت هذه المحادثات في السفارة الأمريكية في أنقرة، وهذه المحادثات هي التي سهلت دخول إيران في الخطط العسكرية المعلنة للإطاحة بحكومة طالبان وتنصيب حكومة جديدة يراعى فيها وضع الشيعة المرتبطين بإيران.
وكشف الدبلوماسي الأمريكي، زلماي خليل زاد في كتابه “الموفد”، شهادة الرجل على حرب العراق، حيث كان وقتها سفيرا لأمريكا بالعراق، إذ يحكي الرجل عن لقاء جمع مسئوليين بالإدارة الأمريكية والعراقية، تضمن اللقاء برواية خليل زاد طلبًا أمريكيًا من الجانب الإيراني بعدم التعرض للمقاتلات الأمريكية إذا ما اخترقت الأجواء الإيرانية بطريق الخطأ وهو الطلب الذي قابله ظريف بالموافقة. وعرضًا أمريكيًا آخر برغبة الولايات المتحدة الشديدة في أن يتبوأ كبار السياسيين الشيعة الموالين لإيران والمعارضين لنظام الرئيس العراقي الراحل مقاعد من الحكومة التوافقية التي ترغب الولايات المتحدة تمكينها بعد الحرب.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، تم تقسيم العراق بين أمريكا وإيران، حيث حازت إيران كامل النفوذ داخل العراق، مقابل النفط والنفوذ السياسي الأمريكي في العراق والخليج.. وتمت الصفقة بين الحكومة العراقية الشيعية وأربع شركات نفط أمريكية، وطبقاً لوثيقة “إعلان المبادئ” التي وقعت بين البلدين، فقد نصّت على أنّ اقتصاد العراق وموارده النفطية لا بد من أن تكون مفتوحة أمام الاستثمار الأجنبي، “خاصة الاستثمار الأمريكي”.
قناة الاتصال السويسرية
5- نشطت قناة الاتصال السويسرية التقليدية المتمثلة في السفارة السويسرية في إيران، والتي تتولى رعاية المصالح الأمريكية منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة منذ عام 1979م، وهي إحدى أكثر وسائل الاتصال المباشر أمانا وسرية بين الولايات المتحدة وإيران.
وقد تم تفعيل هذه القناة باستدعاء السفير السويسري إلى مقر الخارجية الأمريكية في واشنطن لدراسة سبل الارتقاء بالتقارب مع إيران ورؤيته لإمكانية ذلك، عن طريق اتصال دائم ومنتظم وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة فيما يخص خطط مكافحة الإرهاب.
وتلعب السفارة السويسرية وسفيرها دوراً مهماً كقناة اتصال غير مباشرة بين الطرفين،
وكوسيط دبلوماسي امتد لأربعة عقود وسبع رئاسات، بما في ذلك أزمة الرهائن التي وقعت زمن رئاسة جيمي كارتر والصفقة النووية التي وضعها باراك أوباما.
وتم من خلال هذه القناة الاتفاق على قيام إيران بتقديم المساعدات لأي جنود أمريكيين جرحى أو يضطرون للهبوط في الأراضي الإيرانية مقابل ضمانات باحترام الولايات المتحدة سلامة وسيادة الأراضي الإيرانية ومجالها الجوي.
كذلك اتفق من خلالها على أن تقوم إيران بتقديم معلومات استخباراتية عمن تتهمهم الولايات المتحدة بالتورط في الهجمات على نيويورك وواشنطن في مقابل منع إدارة بوش لجماعة أمريكية من تقديم شكوى ضد إيران حول قضية احتجاز الرهائن عام 1979م والمطالبة بتعويض يصل إلى 10 مليارات دولار.
Be the first to write a comment.