ترتفع الجاهلية بسقف طموحاتها لمستوى يضمن لها أي مكسب في كل الأحوال، فإن فشلت في مطلب عالٍ من الانحراف واضطرت- مع إصلاح المصلحين- للنزول لمستوى أقل؛ فإن هذا المستوى يكون في حدود الانحراف أيضاً بحيث لا تخسر كل معاركها..
مثال: تقيم المعارك الضخمة لأجل الشذوذ، تجيش له الجيوش وتعقد له التحالفات، وتقام لأجله العقوبات؛ فيُستهلَكُ المصلحون في التصدي لذلك الفحش، لكنها تسابق وتسعى لنشره بسرعة في المجتمعات وعلى كل المستويات، حتى يأتي زمان يرى فيه الناس الزنا المعروف الذي حرمه الله بين الرجل والمرأة فيقول أحدهم: هذا أخف وطأة من الشذوذ!!
فتصل بالإنسان لأن يرى الزنا أخف وطأة مما وصل إليه الحال من انحراف أقذر.. وهذا في حد ذاته بالنسبة للجاهلية مكسب كبير!!
مثال آخر: تقيم الحروب ضد البيت المسلم لهدمه من خلال:
_ مطالب بما يُسمى استقلال المرأة.
_ ومطالب بنزع قوامة الزوج عن الزوجة.
_ واستسهال الطلاق والخلع وما يترتب عليهما من تشتيت للأولاد بين حضانة الأم إن تزوجت بعد الطلاق،
وحضانة الأب.
_ عرض الخيانات الزوجية في الإعلام وكأنها الأصل في البيوت.
_ ضغوط اقتصادية تؤثر على الزوج ليبدو عاجزاً عن النفقة أو التكفل ببيته، حتى يصبح الحفاظ على البيت المسلم أقرب إلى لمستحيل وسط كل هذه العوامل الهدامة.. فإذا تكلم أحدهم في التعدد كشرع شرعه الله للزوج؛ صرخ الناس فيه: (كيف تتكلم في التعدد ونحن بالكاد نحافظ على بيت واحد؟!)..
فهذا الصراخ والهجوم على التعدد في حد ذاته مكسب كبير للجاهلية..
مثال ثالث: ينادون بأحقية المرأة في الزواج بدون ولي:” النص صراحة على حق
المرأة الراشدة في عقد زواجها بنفسها”..
وهذا أحد بنود مطالب المجلس القومي للمرأة بتغيير قانون الأحوال الشخصية.. وهو أكبر دليل على أنهم لا يسعون فقط لإقصاء الزوج من حياة المرأة؛ بل ويسعون لإقصاء الأب والأخ والابن، وكل رجل يستطيع حمايتها..
هم يريدون المرأة مِلكاً لهم فقط يتلاعبون بها كيف شاؤوا دون ظهيرٍ تحتمي به من مكرهم..
الولي بالنسبة للمرأة ساعة الزواج هو مصدر كرامة لها
أمام الزوج وأهل الزوج، وغيابه أو إقصاؤه إهدارٌ لكرامتها.. وهذا ما أرادوه أولاً..
ثم إن الولي في حال انفصالها عن الزوج هو الداعم الأول لها في محنة الطلاق، خاصة مع إحساس المرأة بالضياع والضعف في تلك المحنة، فإن الولي يمثل الدعم النفسي والمادي ومصدر القوة الذي تحتاجه في تلك المحنة، وغيابه وإقصاؤه- حال الزواج- يعني بالطبع غيابه حال الطلاق.. فالحال ساعتها: هذا خيارك فتحملي تبعاته وحدك..
هنا يزداد إحساس المرأة بالضياع والتيه والضعف لترتمي على أثره في أحضان أي ذئب ينهش فريسةً وجدها بلا راع يرعاها أو حصن يؤويها.. وهذا بالضبط ما أرادوه لها ثانياً..
ثم إن وجود الولي في حياة المرأة هو مصدر قوة وسند ودعم واستقرار نفسي لأطفالها.. وغيابه وإقصاؤه من حياتها وحياتهم يعني نشأة جيل بلا جذور ولا انتماء ولا استقرار نفسي.. وهذا بالضبط ما أرادوه.
مثال خامس: تنشر الإلحاد وكراهية الشعائر بين الشباب المراهق حدث السن خاصة دون غيره من الأعمار، فيرهق الأهل إرهاقاً شديداً للحفاظ- قدر المستطاع- على الشاب من الوقوع في الكفر، مما يضطرهم إلى
تخفيف الضغط عليه- من وجهة نظرهم- وعدم مطالبته أو توجيهه للعبادات والالتزام بالصلوات في المساجد وقراءة القرءان حتى لا ينفر منهم أكثر ويتجه للإلحاد.. فينشأ شاباً لا يعرف عن دينه ولا عن أمته شيئاً اللهم ما يجعله مسلماً بالاسم فقط.. وهذا في حد ذاته مكسب كبير للجاهلية.
إنَّ الشرع انتبه لسقف الجاهلية المرتفع وطموحها الذي لا ينتهي عند حد؛ فكان أن جعل لهذا الطموح ما يقابله ويتصدى له ويضمن لأهل الصلاح- إن تمسكوا به- أن يكسروا شوكة الجاهلية وطموحها الهش الضعيف.. فجعل الولاية شرطاً في الزواج حفظا للمرأة من الضياع.. وجعل للمطلقة حقوقاً فاقت كل مطالبهم التي يدعون؛ فجعل للمرضعة أجراً مادياً مقابل الرضاعة؛ ” فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ” .. وهو أمر لم يوجد في أي شريعة سابقة ولا في علمانية لاحقة.. وجعل لها مسكناً يؤويها بعد الطلاق:” أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ”.. وجعل للأب- لا زوج الأم- حضانة ابنه بعد استغنائه عن رعاية الأم حماية له من الانحراف والشذوذ، وحفظا لنفسه ودينه من الإلحاد، وحرصاً على مشاعر الأب والابن من أن يرعاه رجل غريب والأب على قيد الحياة..
الجاهلية لا تريد حماية المرأة والطفل؛ فالشريعة ضمنت لهما حماية تفوق ما يدعون..
كل ما في الأمر أن طموح الجاهلية في هدم الأمة المسلمة وقد أدركت أنَّ البيت المسلم يعني المجتمع المسلم والأمة المسلمة فأرادت هدم البيت من أساسه..
إنه مكر الليل والنهار، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله والله من ورائهم محيط.
Be the first to write a comment.