By / 13 ديسمبر، 2021

1-جرائم الدولة الصفوية بحق أهل السنة

ظلت إيران قرابة تسعة قرون تتبع مذهب أهل السنة والجماعة، وساهمت في بناء صرح الحضارة الإسلامية بواسطة علمائها، حتى قامت الدولة الصفوية في إيران فشكل وجودها كارثة لإيران والعالم الإسلامي.

اقترن قيام الدولة الصفوية بالقضاء على مذهب أهل السنة في إيران، وارتكاب مذابح ومظالم بحقهم، والتضييق عليهم، وزاد على ذلك التحالف مع الدول النصرانية في أوروبا؛ أملاً في إضعاف الدولة العثمانية السنية التي كانت تقود الجهاد ضد الصليبيين.

 

الأسرة الصفوية

تُـنسب الصفوية إلى الدولة الصفوية التي حكمت إيران في الفترة من (1501-1724م)، والتي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي. ولقب الصفوي نسبة إلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي، الذي كان يتزعّم طريقة صوفية باطنية متطرفة، تتبنى الكثير من مبادئ التشيع الباطني المغالي.

وقد بدأت الصفوية كحركة دينية، ذات تطلعات سياسية خفية، وأخذت توسع من اهتماماتها السياسية شيئا فشيئا، حتى انتهت إلى إقامة دولة شيعية مترامية الأطراف، على أشلاء الملايين من أبناء أهل السنة والجماعة، الذين كانوا يشكلون الأغلبية من سكان إيران.

وقد قاد عمليات التصفية هذه الشاه إسماعيل وخلفاؤه، حتى انتهت الدولة الصفوية -سياسيا- على يد الثوار الأفغان عام (1724م)، ولكن النهج الصفوي استمر، وظل هذا النهج سمة من سمات كل الدول التي قامت في إيران.

.

المعاملة السيئة لأهل السنة

حينما قامت الدولة الصفوية في إيران؛ خلال فترة حكمهم التي استمرت أكثر من قرنين من الزمان، تغيّر مسار النشاط البشري فيها تغيُّراً جذرياً في جميع مجالات الحياة: العقدية، والفكرية، والفنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ووُجّه الإيرانيون إلى وجهة مغايرة تتسم بالعداء الصارم لكل ما له صلة بأهل السنة.

قامت سياسة الدولة الصفوية على معاملة السنة في إيران أو في البلاد العثمانية على أنهم اشد خطرا من أي عدو آخر، فنكّلوا بهم وجاهروهم بالعداء، بينما أظهروا الود والموالاة للدول الأوروبية النصرانية والنصارى المقيمين في إيران.

لجأ الشاه إسماعيل وخلفاؤه من بعده إلى أسلوب (القتل العام)، وارتكاب مختلف أنواع الجرائم من حرق وتدمير وتعذيب واغتصاب، من أجل تغيير عقائد أهل البلاد من السنّة. فشهدت إيران من الأعمال المروعة ما لم تشهده طوال تاريخها، حتى على يد المغول.

بعد دخول إسماعيل الصفوي مدينة تبريز؛ كانت نسبة عدد السكان السنة فيها تساوي الثلثين، ورغم ذلك قرر الصفوي أن كل من يخالف التشيع ويرفضه، مصيره القتل؛ وقد روي أن عددَ مَنْ قُتِلوا في مذبحة تبريز أكثر من عشرين ألف شخص، ومورس ضد السكان السنَّة أبشع أنواع القتل والتنكيل، حيث قُطِّعت أوصال الرجال والنساء والأطفال.

وقد روي أن إسماعيل الصفوي دخل المدينة، واعتلى منبر المسجد الجامع وأعلن البراءة من السنّة، ولعْن أبا بكر وعمر وعثمان، وجرت مقتلة عظيمة في المسجد، وكان الاعتداء الجنسي على الفتيات والفتيان وشق بطون النساء الحوامل وإضرام النار في أجساد القتلى أمرا معتادا.

أما في مدينة كازرون، أصدر الشاه إسماعيل أمرا بالقتل العام لسكان كازرون وتخريبها،وبتخريب المساجد والمدارس، وبقي على قيد الحياة مِن سكان المدينة مَن استطاع الفرار،

كما قتل إسماعيل الصفوي الالاف من أهل مرو، وبعدها دخل مدينة هراة، وأعلن فيها المذهب الرافضي مذهباً رسمياً، على الرغم من أن أهلها كانوا سنيون، وأنشأ عدد من المدارس لتدريس مذهبه ونشره بين الناس. 

 

أما الشاه عباس الأول، فقد حرص أيضا على نصرة المذهب الرافضي والانتقام من أهل السنة، وقد وصل العداء به إلى درجة أنه حاول إقناع الإيرانيين بالتخلي عن الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، والاكتفاء بزيارة قبر الإمام الثامن علي بن موسى الرضا في مشهد؛ وذلك حتى لا يسافر الإيرانيين إلى مكة عبر أراضي العثمانيين السنة.

وكان يكثر من التردد على مشهد وزيارة قبر الإمام الثامن بها، سيرا على الأقدام من أصفهان إلى مشهد كان وسيلة من وسائل ترغيبهم في تقليده، حتى اعتاد الفرس أن يحجوا إلى مشهد بدلاً من الحج إلى مكة المكرمة.

أما عن مناطق الأكراد فقد عوملوا معاملة سيئة وذلك لاتباعهم المذهب السني، وعدم قبولهم الدخول في مذهب الرافضة، فتم تشريدهم في البلاد، ونقلَ عدداً كبيراً منهم من كردستان إلى خراسان، وتم تعريضهم للقتل والاضطهاد على يد ملوك الصفويين بصورة مستمرة. من ذلك ما ارتكبه الشاه طهماسب بن إسماعيل ضد أكراد لورستان وكرمنشاه.

وجرائم الشاه عباس الكبير ضد أكراد مدينة (أورمية)، وإصداره أمرا بالقضاء التام على جميع أفراد عشيرة الموكري، حيث قتل الآلاف من أبناء العشيرة، وأسر الآلاف من النساء والأطفال، وهجّر آلاف آخرين من مناطقهم.

كما كان الأسرى السنَّة من العثمانيين والأوزبك، يلقون نفس المعاملة من الشاه عباس الاول، وكان أقل عقاب يوقع عليهم إن لم يُقتلوا هو سَمْل عيونهم. ولم يكن يصفح عن أي أسير منهم إلا إذا أعلن تخلّيه عن المذهب السني.

 

 تحريف الإسلام 

ومن بين جرائم الصفويين ايضا تحريف الإسلام، وقد بدأ ذلك على يد عبد الله بن سبأ. ثم تحول إلى منظومة حاكمة في ظل الدولة البويهية، حيث تم تأليف بعض الكتب التي تعد الآن من أهم مصادر الديانة الشيعية، ككتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني.

ضعف التشيع المعتدل كثيرا ولكن ظلت بعض ملامحه باقية، حتى قامت الدولة الصفوية فوصل خط الانحراف الرسمي الممنهج إلى القمة، حيث احتضنت الدولة الصفوية الكثير من عمائم الزندقة والانحراف، وأصبحت ملجأً ومأوى لكل حاقد على الإسلام، وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 وقد اشتهر الكثير من فقهاء الدولة الصفوية من داخل إيران أو ممن وفدوا إليها من الخارج، وبدأت كتب الزندقة والضلال تُـكتب وتُوزع بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الإسلام، مع مسحة واضحة للشعوبية المعادية للعرب والإسلام.

 

تشجيع رعايا الدول النصرانية في أوروبا

رحب الصفويون بإقامة النصارى في بلادهم وعاملوهم بكل احترام وتقدير، ووثّقوا صِلاتهم الاقتصادية بالدول النصرانية في أوروبا، وسمحوا للتجار الأجانب بِحُرية الحركة في المدن الإيرانية، ومنحوهم الامتيازات التجارية، مما شجع على ازدياد النفوذ الأوروبي في منطقة الخليج، كما تم توطيد العلاقة مع الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا، وقد بدأ هذا التشجيع منذ عهد إسماعيل الأول، وبلغ أَوْجَه في عهد الشاه عباس الأول.

 وفي المقابل، كان الأوربيون يسعون إلى إضعاف الدولة العثمانية، عن طريق إرسال المهندسين والخبراء العسكريين من أجل تقوية جيس إيران، وإنشاء سفارات لدول إوروبا في إيران من أجل توطيد العلاقات بين الطرفين، كما تم السماح للبعثات التنصيرية بالقدوم إلى إيران، ومنحها حرية الحركة والتنصير، والمشاركة في الاحتفالات الدينية للنصارى. 

كان الشاه إسماعيل الأول يحترم رعايا الدول النصرانية ويشجعهم على القدوم إلى إيران، حيث ظهر ذلك في رسالة بعثها إليه الحاكم البرتغالي في الهند، شكره فيها على احترامه للنصارى وعرض عليه جنود وأسلحة بلاده لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وأنه إذا أراد أن ينقض على بلاد العرب أو يهاجم مكة فسيجده ليتنفيذ كل ما يريد إسماعيل.  

وفي عهد الشاه عباس الأول، لقى النصارى أحسن معاملة، وقد اشتهر هذا السلطان بحسن معاملته للنصرانيين من كافة الأجناس، وكان دائما يؤكد لرعاياه أنهم أصدقاؤه وحلفاء بلاده، وترك النصارى والقساوسة ليفسدوا في بلاد المسلمين وليرفعوا رايات الشرك.

وفي عهده، شجع الصفويون لأول مرة بناءَ الكنائس، كما فتح بلاده للتجار الإفرنج، وأوصى ألا تؤخذ الرسوم على بضائعهم، وألا يتعرض لهم أحد من الحكام أو الأهالي بسوء، وقيل أنه أول من فعل  أنه أول من فعل مثل ذلك من سلاطين المسلمين في بلاد إيران.  

وفي عهده أيضا، أرسل ملوك أوروبا رسلَهم وتجارهم لزيارة إيران وعقد معاهدات سياسية وصفقات تجارية مع الشاه عباس الأول؛ لتوفير كل متطلبات الأمن والراحة لهؤلاء الأوروبيين، فكان يأمر باستقبالهم وإكرامهم، ويقرّبهم منه ويجزل لهم العطايا.

ومن الذين اتصل بهم الشاه عباس بابا روما، وحاول عن طريقه حثّ ملوك أوروبا النصارى على وحدة الكلمة والتعاون مع إيران للقضاء على الدولة العثمانية، كما اهتم البابا من جانبه بتوطيد علاقاته بالشاه عباس تدعيماً لموقف النصارى في إيران. 

وفي عهد الشاه عباس الثاني، منح الناسَ حرية الأديان، وتمتع الأوروبيون في أيامه بالحرية وبنعمة السلطان، فكان تجارهم أدنى مجلساً منه ويروون الأمور عنه.

 


Be the first to write a comment.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *