تسعى أجهزة الاستخبارات الناجحة إلى استخدام قواعد خاصة في جمع المعلومات بطريقة ناعمة لا تثير ضجة وبعيدة عن العنف، حيث يعتبر الاستدراج من أهم و أذكى طرق الحصول على المعلومة، وتقوم هذه القاعدة على أساس جر الخصم أو مالك المعلومة إلى أن يفرغ ما لديه من معلومات دون أن يشعر بأهمية ما أدلى به.
ونستطيع القول أن الاستدراج هو أحد أساليب أخذ المعلومات من الجواسيس والأسرى والمشبوهين، أو أما ما يكون مع المواطنين العاديين من لديهم معلومات نحن بحاجة إليها.. فالاستدراج أثناء الحوار أو الدردشة هو من الطرق الشفوية للحصول على المعلومة أثناء المحادثة، وبذلك يمكن وصف ذلك بفن الاستنطاق الاستخباري.
ومن الأمثلة على هذا الأسلوب، الاستجواب الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم لغلامين ألقي القبض عليهما حول ماء بدر، عندما بعث صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يتلمسون الخبر فأصابوا الابل التي عليها الماء التابعة لقريش وفيها كان غلامين، وأتوا بهما للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، لمن أنتما؟ وظنوا انهم لأبي سفيان، فقالا: نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم فتركوهما، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قال: إذا صدقوكم ا لقول ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما من قريش.
قال: أخبراني عن قريش: قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي تراه بالعدوة القصوى.
قال: كم القوم؟ قالا: كثير، قال وما عدتهم؟، قالا لا ندري، قال: كم ينحرون كل يوم؟، قالا: يوما تسعة ويوما عشرة، قال: القوم فيما بين التسعمائة والألف قال فمن فيهم من أشراف قريش قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة وأبو البختري ابن هشام وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ أكبادها.
ومن خلال هذا الاستجواب الاستخباري نلاحظ:
§ أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم فنًا راقياً وحكمة متقدمة في توجيه الأسئلة، فجاءت أسئلته واضحة وبسيطة، ولم يطرح أكثر من سؤال في الوقت الواحد.
§ لم يستخدم الأسئلة التلقينية التي تكون أجوبتها بنعم اولا.
§ كما أنه كان يعطي المستجوب الفرصة للإجابة، وأن الأسئلة التي وجهها النبي صلى الله عليه وسلم جاءت عن موضع الجيش وعدد أفراده ونوعية المقاتلين.
§ كما نلاحظ من خلال هذا الاستجواب قوة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وخبرته في معرفة أن الغلامين يصدقان وإذا ما اشتد عليهم الضرب قالا ما يروق لمن يضربهما.
§ نلاحظ ذكاؤه صلى الله عليه وسلم عندما سأل عن عدد ما ينحرون ليصل إلى عدد الجيش كما نلاحظ الهدوء والصبر في الاستجواب ولم يقلل من شأن من يستجوبهم.
Be the first to write a comment.