وذلك من خلال مكر الليل والنهار الذي تفرغ له العدو لإزالة المجتمع السوي الذي يحترم الدين والقيم والأخلاق، ومن المتعارف عليه أن هدم الحياة الاجتماعية تمر بعدة مراحل.
- هدم الاسرة
لعبت الافلام والمسلسلات دور كبيرا في هدم الأسر، فقد علمت الناس الخيانة الزوجية ونزعت الثقة بين الزوجين حتى كثرة حالات الطلاق وكبر الأطفال وقد انكسروا من داخلهم؛ بسبب انفصال الأبوين فأصبحوا لا يبالون بما يفعلون، فقلما تجد لهم دور في إصلاح وتطوير المجتمع، بل إن معظمهم يتحولون إلى مجرمين؛ لأنهم لم يجدوا من يحتويهم، لذا لابد أن يحترس الآباء والأمهات من هذه الأفكار الخبيثة التي تحاول الهدم ولا تفكر في المرأة من الأساس.
وقد بدأوا هذا المخطط الخبيث بألفاظ معسولة ليخدعوا الناس، فقالوا للمرأة إن المجتمع ينظر اليك على أنك آلة للأنجاب وإشباع الشهوات، وأنك خادمة في المنزل ومهمتك إرضاء الزوج، ويقولون: لا تكوني مؤمنة بأن الزوج إنجاز عظيم، تولي الوظيفة التي تطمحين إليها واتركي بصمتك في المجتمع، وهذا كلام يراد منه هدم الأسرة الذي يترب على هدمها هدم المجتمع، ومن قال بأن المجتمع ينظر إلى المرأة على هذا النحو، هذا ضلال مبين روجوه لهدم الأسر.
للمرأة ما يناسبها وللرجل ما يناسبه، فالرجل يكِد ويكدح في العمل حتى يعول أهله ويوفر لهم طعاما وشرابا ومسكنا وملبس، ويناسب المرأة إنشاء جيل ينصر دين الله ويتربى على أخلاقيات لا إله إلا الله، تعلمه الرحمة كما تعلمه الشدة، ودور المرأة بهذا الشكل أعظم من دور الرجل.
- هدم الترابط الاجتماعي
وهذ ما يتقنه الإعلام المضلل؛ حتى يقسم الشعب الى قسمين يتشاجران، أقل ما يصلون إليه المخاصمة، وقد يصل بهم الحال إلى الحرب الأهلية، كل ذلك حتى يشغلوا الناس عن جرائم الحكومة المستبدة، ويبدأ الأمر بإثارة الشائعة التي تسري كما تسري النار في الهشيم، تُخرب وتدمر كل شيء فإذا هدم الترابط الاجتماعي يعم الطمع وتنتشر السرقة وتضيع الحقوق.
ولا ينبغي للإنسان الانتساب لجماعة معينة يكون ولائه لها وبرائه ممن يخالفونها، ولكن الأفضل للإنسان أن يكون ولائه وبرائه لله يجمعه رابط الأخوة الإسلامية مع إخوانه المسلمين وفي ذلك يقول ربنا عز وجل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) ” [سورة آل عمران].
وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” [متفق عليه]
وقال ابن القيم في زاد المعاد: كل من التمس المعاونة على أمر محبوب لله مرضي الله أجيب إلى ذلك كائنا من كان، مالم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه.، وقال أيضا في المدارج: والبصير الصادق يعاشر كل طائفة على أحسن ما معها ولا يتحيز إلى فئة وينئ عن الأخرى بالكلية.
ولعظم قدر الترابط في المجتمع حث عليه رسول الله ﷺ، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ” [رواه الطبراني في الكبير]، وقال تعالى ” أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ إلىتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ” [سورة: الماعون (1-3)] فقد بين أن التدين الحقيقي في أن تساعد الآخرين وتطعم المحتاجين، وكل هذا يقوي الترابط في المجتمع مما ينهض بالمجتمع ويوصله إلى الريادة في شتي المجالات.
- تشويه صورة القادة
ويستعملون هذه الاستراتيجية حتى لا يلتف الناس حول هذا القائد المصلح الذي يريد أن ينظف المجتمع من الفساد، وهذه الاستراتيجية ليست جديدة علينا فقد قالوا عن رسول الله ﷺ ساحر وكذاب ومجنون وكاهن ويسعى من أجل السلطة، كل هذا حتى لا يهدم عقائدهم الباطلة التي تستبيح أموال الناس بالباطل، ولأنهم يعلمون أن مصالحهم ستتضرر لأنها تقوم على باطل وظلم، ففضلوا تشويه صورة هذا القائد عن رد المظالم.
كذلك فعلوا في العصر الحديث، فالإعلام زرع في عقول بعض الناس أن أصحاب اللحى لا يبتسمون مطلقا وأنهم يبحثون فقط عن القتل ولا يفكرون في إصلاح المجتمع لا يتحدثون إلا عن الموت، وصوروا العالم على انه مختل عقليا وأنه من كثرة العلم أصبح غريبا في تصرفاته فلا يستطيع التأقلم مع المجتمع، وأظهروا تاجر المخدرات على أنه الذي يرد الحقوق ويواسي الفقراء وأنه هو الأسطورة، وكل هذا كذب لابدا أن نحذر منه ولا ننخدع بما يقال لنا، ولكن نبحث ونتيقن ونسأل أهل العلم حتى لا نبني أفكارنا على كذب فنكذب الصادق ونصدق الكاذب ونأتمن الخائن ونخون الأمين فينهار المجتمع.
- هدم المؤسسات
ويتم ذلك عن طريق استبدال المنظمات التي تخدم مصالح المجتمع بمنظمات وهمية تخدم نفسها وتتعامل بالواسطة والمحسوبية، وعندما يصل مجتمع لهذه الحالة يتجمد فلا تجد له دورا فعالا في وسط هذا العالم الذي يتطور كل يوم، ولا شك أن هناك مجتمعات كثيرة على هذا الشكل الغير مرغوب، ولذلك تجد هذه المجتمعات مستعبدة عند الدول التي تتعاون مؤسساتها، وهذا لا يليق بدولة محترمة فلابد من تعون المنظمات وأن يُعَيَّنْ صاحب الكفاءة، فلا توجد دولة متقدمة تدار بالواسطة والمحسوبية.
جزاكم الله خيرا