By / 4 أبريل، 2022

استراتيجية تخدير الشعوب

 1- اسلوب الإلهاء

لا يمكن لحاكم ظالم أو مستبد أن يتحكم في الشعب قبل تخديره وهناك أساليب كثيره لذلك قد أشار إليها الساسة مثل نعوم تشو مسكي وقد جمعت ما وافق تفكيري وأضفت فيها، أما عن هذه الأساليب إذا وجدت حاكم يستعملها مع شعبه فعلم أنه مستبد لا يصلح لإدارة البلاد لأنه سيأخذها إلى الهاوية ويسلمها للأعداء؛ لأن مخالفة إرادة الشعب في حد ذاته نقطة ضعف لهذا المستبد، وسبب قوي لإسقاطه، فمن أجل أن يحتفظ بحكمة ينفذ مطالب الأعداء، فيتورط في الخيانة ويبدأ بالتنازلات حتى يفقد حكمة في نهاية المطاف. ومن هذه الأساليب. 

1) أسلوب الإلهاء 

إن الأغلبية العظمى من عامة الشعب في كل زمان ومكان ما هي إلا كالطفل الصغير للأسف الشديد أمام صناع القرار في حياتنا الذي كلما إذا شجعته على عمل شيء ما سارع في تنفيذه. كأن تقول له مثلاً أنظر هنالك جني يحقق الأماني سيفعل لك كل ما تريده بشرط … فيتوجه إليك فورا بلهفة وشوق مترقبا لكل ما تقوله وهو ينتظر باهتمام بالغ ماذا سيحدث؟ ويبدأ يشغل نفسه بالسؤال عن هذا الجني، وعن عمله، وعن قدراته، ولكنه للأسف الشديد سينتظر طويلا؛ لأنه لا يوجد جني يحقق الأماني، ولن يفيق من مثل هذا الوهم ببساطة.

سياسة الإلهاء هي سياسة تتبعها بعض الأنظمة المستبدة أو الهشة؛ حتى تغطي على إخفاقاتها الاجتماعية، وفشلها الاقتصادي، و تخلف وعودها السياسية، وهي سياسة تتبعها بعض الحكومات؛ لتجنب مراقبتها ومحاسبتها على ما أعلنت عنه من رهانات، وعدم مساءلتها عن فشلها في تحقيق ما وعدت به وتجعل من هذه السياسة ستارا لما اخفقت فيه.

 وسياسة الإلهاء هي كذلك سياسة كانت تتبعها الأنظمة الحاكمة؛ لصرف أنظار أفراد الشعب عن قضاياه الحقيقية والهامة المحددة لمصيره، وصب جميع اهتماماته في نوعية معينة من الإشكاليات التي لا تمثل قيمة كبرى على حياته رغم أهميتها، فسياسة الإلهاء هي أسلوب في الحكم يقوم على تضخيم القضايا الصغرى وتصغير المواضيع الكبرى وإلهاء الشعب بكل ما هو هامشي وقلب الأوليات.

وهذه السياسة تستخدم لتزييف وعي الناس من قبل السلطة؛ لتضمن بقاءها في الحكم أكبر قدر ممكن بعد أن تصنع للرأي العام فضاء له اهتماماته، وحدوده ليسهل عليها التحكم فيه وتوجيهه، وقد استعملت الأنظمة الاستبدادية الفن، والشائعات، والرياضة، وكرة القدم تحديدا لإلهاء شعوبها عن قضاياه الأساسية، وجعل الناس لا يهتمون بالحكم ويبتعدون عن الاهتمام بالشأن العام مثل (بيع الأرض الخاصة بالدولة وتراكم الديون وخفض قيمة العملة والتطبيع مع العدو وسرقة الآثار …الخ ) حتى لا يسألوا من يحكم عن أعماله وسياساته ويبعدوا الشعب عن القيام بثورة تغيير.

فلما تحول جمهور الرياضة إلى حراك ثوري يوصل الوعي من خلال الاستاد تحولت الرياضة الى وسيلة لم تعد تصلح لإلهاء الناس، وهذا يفرض على الأنظمة الاستبدادية البحث عن استراتيجية جديدة لإلهاء الشعوب. 

وفي كتابه ” أسلحة صامتة لحروب هادئة ” يتحدث المفكر الأمريكي نعوم تشو مسكي عن فكرة إلهاء الشعوب والمجتمعات وعن ثقافة السيطرة على الرأي العام والتحكم في توجهاته فيعتبر “أن الإلهاء هو عنصر أساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع من خلال تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الهامة وإغراق الناس بوابل متواصل من وسائل الترفيه، و حشو ذهنه بكم كبير من المعلومات بعضها صحيح وأكثرها من الشائعات؛ لتشويش ذهنه، وحصر اهتمامه في كيفية معرفة ما هو الصحيح وما هو الزائف من هذه المعلومات، وهي استراتيجية ضرورية لمنع الناس من الوصول إلى المعرفة الأساسية وجعل الرأي العام بعيدا عن مشاكله الاجتماعية الحقيقية، وهي سياسة الغاية منها جعل الجماهير لا تفكر ولا تسأل ولا تبحث وحصرها في مشاكل ثانوية لا قيمة لها، و إيهامها بأنها قضايا كبرى ومهمة”

ولتنفيذ سياسة التلهية وتطبيق فكرة الإلهاء تحتاج الحكومات إلى آلة إعلامية وإلى رجال إعلام وإلى وسائل إعلام تتولى تطبيق فكرة الإلهاء وثقافة التلهية حتى يصرف النظر عن القضايا الكبرى والمسائل المصيرية وهو الأمر الذي وقفنا عليه في الأيام الأخيرة في قضية النقاب، وتحرير المرأة التي تحولت فجأة إلى معركة مصيرية وأولية للدولة والقضية الأولى للشعب، وتم إغراق الرأي العام بكم كبير من الحديث الإعلامي عن هذه الأشياء، فبالرغم من أهمية الحديث عن لباس المرأة المسلمة إلا إنه يستحق في الوقت الراهن أن تتجند له كل وسائل الإعلام في استراتيجية مفضوحة؛ لإلهاء الناس وإبعاد الرأي العام عن القضايا الكبرى المهمة.

وقد اتضح اليوم وأصبح معلوما أنه كلما أرادت الدولة أو الحكومة اتخاذ إجراءات موجعة ومؤلمة وتخشى أن يلتفت إليها الناس، وكلما قررت الحكومة تمرير قرار أو موضوع قد لا يقبل به الشعب إلا وتم افتعال قضية هامشية. لا ننكر أن موضوع النقاب والكثير من القضايا الأخرى لها أهميتها ولكن مع ذلك تبقى مواضيع ثانوية و متأخرة في الترتيب أمام مواضيع حارقة تتعب الناس وتؤلمهم وتؤثر على حياتهم.

فحينما تصبح القضايا الثانوية هي الاهتمام الأول للبلاد وتترك كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأخرى جانبا حينها نكون قد وقعنا ضحية سياسة الإلهاء وثقافة التلهية، التي تستخدم لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضرورية في ميادين كثيرة مثل (العلوم –  الاقتصاد- علم النفس – بيولوجيا الأعصاب – علوم الحاسوب) ولقد أبعدوهم عن تعلّم هذه العلوم حفاظا على تشتت اهتمامات العامة بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، وجعل اهتماماتهم موجهة نحو مواضيع فارغه ليست لها أي أهميه حقيقية لكي يكون الشعب منشغلا دائما لا يمتلك وقت للتفكير ومن ثما يتم التحكم فيه بسهولة.


Be the first to write a comment.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *