محمد مصطفى عفيفي
يُنذرُ المُناخُ العام في مصر أننا على أبوابِ موجةٍ ثوريةٍ جديدةٍ، بعد أن طالتْ مفاسدُ حُكم العسكر أغلب فئات الشعب وطوائفه، وما كنا ننادي به منذ 2014 من ضرورة توحيد صفوف الثوار فعلَه لنا هذا المأجور الموتور بحماقاته وإخفاقاته.
الحـدُّ الفاصلُ بين الثورة الحقيقية والاحتجاجات الشعبية هو ظهور القيادة الثورية التي تستثمرُ غضبَ الجماهير في إسقاط حُكم العسكر وبناء مصر الحرة القوية، وتأخر ظهور القيادة الثورية يُهدر طاقات الشعب، ويُنفِّس مراجلَ الغضب في نشر المقاطع على مواقع التواصل ويكتفي الناسُ بمجرد سـبّ النظام وتشويهه (وهو أمرٌ مطلوب) لكنّ الأنظمة العسكرية لا تَسقطُ بالسباب وحده.
وإني ومن خلال تخصصي في التاريخ، أقول: إن أي تكتل يظهرُ الآن من شباب الثورة يدعو الناس إلى النزول في الشوارع، ونوفرُ دعماً إعلامياً من القنوات والمواقع والصفحات الوطنية سيلقى تجاوباً واسعاً من كافة فئات الشعب المصري، حيث لم يترك له حُكم العسكر خياراً إلا أن يثورَ أو يموتَ جوعاً، وجهلاً، ومرضاً، وإهمالا، والحد الفاصل بين نجاح القيادة الثورية وفشلها هو مدى تمكنها من تفتيت معسكر النظام وتوحيد معسكر الثورة رغم تباين اتجاهات الثوار واختلاف أفكارهم.
أما تفتيت معسكر النظام فيكون بالتفريق بين الكتلة الصلبة في النظام من قيادات المجلس العسكري وقيادات الأفرع والأجهزة الأمنية والسيادية، وبين الطامعين المؤيدين للنظام على سبيل “الترزّق والاسترزاق”.
في غزوة الأحزاب فرّق رسولُنا صلى الله عليه وسلّم بين الأيدلوجيين من قادةِ قريش الذين يُعادونه عن ديانةٍ واعتقادٍ، وبين المشاركين في الغزوة لقاءَ غنائم وأسـلاب. فاتفق مع غطفان على الانسحاب وفكِّ الحصار لقاءَ ثُلث ثمار المدينة ورحّبت غطفان بهذا العرض وفرحتْ به، بينما لم يكن هذا العرض مناسباً لقريش، فتعلموا وطبقوا!!
وأثناء الحروب الصليبية استغلَّ عماد الدين زنكي الخلافَ المذهبي بين الأرثوذكس والكاثوليك للتفريق بينهما، فأرسل إلى إمبراطور بيزنطة (الأرثوذكسي) يُخَوِّفُوه من نُكصان الفرنجة (الكاثوليك) للعهود وأنهم يتربَّصُون به، فإن فارق مكانه الذي فيه «قلعة شـيزر» سيتخلَّفُون عن نصرته. ثم أرسل إلى الصليبيين الفرنجة (الكاثوليك) يُخَوِّفُهم من إمبراطور بيزنطة (الأرثوذكسي)، ويقول لهم: «إنْ مَلَكَ بالشام حصنًا واحدًا ملكَ بلادَكم جميعًا» … ونجحت خطَّةُ عماد الدين زنكي؛ ووقع الخلافُ بين الطرفين، وانسحب الإمبراطور من الشام، وترك المجانيق وأسلحة كثيرة بحالتها؛ حيث غنمَها جيشُ الشام، وحرَّرُوا أسرى المسلمين، وارتفعت مكانة عماد الدين بين المسلمين، وعظمت هيبته في صدور الصليبيين، وأثبت للجميع أنه رجلُ المرحلة.
يجبُ إرسالُ رسائلَ طمأنةٍ واضحةٍ إلى كل مناصري النظام من صغار ضباط الجيش المصري وضباط الشرطة وصغار الإعلاميين والفنانين ورجال الأعمال أن مصلحتهم مع الثورة وليست مع النظام، وأن مصر الحرة المستقلة الغنية أفيد لهم من مصر السجينة التابعة الفقيرة أوي أوي أوي.
…
في الثورة الفرنسية 1789م وحّد الثوار صفوفَهم، واستطاعوا خلقَ أرضيةٍ وطنية مشتركة تقف عليها جميع الأحزاب السياسية – على ما بينها من تباينٍ واختلافٍ – فانضمَّ إلى الثورة النبلاءُ الليبراليون أمثال “ماركيز دي لافاييت” و”ماركيز دي كوندرسي”.. ورجالُ الدين المحرومون من أموال الأبرشيات والأديرة، أمثال الكاهن “إيمانويل جوزيف سياس” صاحب رسالة “ما هي الطبقة الثالثة؟“.. والملكيون الدستوريون الذين يريدون الحفاظ على الملكية في ظل سيادة الدستور، أمثال “كونت دي ميرابوا”.. والجمهوريون المُعادون للملكية، وجمعية أصدقاء الدستور، وأتباع نادي اليعاقبة من أصدقاء الحرية والمساواة، أمثال “دانتون” و”كاميل” و “روبسبير” تم صهر هذا الخليط بذكاءٍ ونجاح وحشده صفاً واحداً في مواجهة النظام الملكي وأنصاره. ولو رفع هؤلاء راياتٍ حزبية في بداية الثورة لأُجهضتِ ثورتُهم وفشلتْ حركتُهم، وقُطعتْ رقابُهم.
خلاصةُ القول: مصر حُبلى بثورةٍ شعبية عاتية فمن يُشعل فتيلَها على وَعيِ وبصيرةٍ؟؟ وأول البصيرة تفتيت معسكر النظام، وبداية الوعي توحيد معسكر الثوار؟؟
Be the first to write a comment.